ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
لا يزال عنق الزجاجة ماثلاً أمام نظر الكثيرين ممن حاولوا الغوص في لعبة المصطلحات والتلاعب بالألفاظ، سواء جاء ذلك في تصريحات للاستهلاك الإعلامي أم في إطار إعلان مواقف، أو كان تمهيداً أولياً لمبادرات هنا أو هناك، تحاول اصطناع بالون اختبار لقراءة ردود الفعل، أو لتلمّس الأرضية التي يمكن الوقوف عليها.
وعنق الزجاجة ليس حالة قائمة بحدّ ذاتها فحسب، بل بات ممراً إجبارياً للكثير من الخيارات، والتعويل أو الرهان للخروج منه يبقى مقروناً بحسابات ومعادلات سيكون من الصعب تجاهل العوامل الذاتية والموضوعية القائمة فيها، حيث المحاولات المستميتة والترويج الدعائي وملحقاته تبقى مجرّد زوبعة في فنجان.. سرعان ما تتلاشى.
فالمبادرات في الماضي على كثرتها، وعلى أهمية بعضها، وربما جدّيتها.. وعلى تعدد أطرافها كانت تصل إلى عنق الزجاجة مدفوعة ببعض التأويلات والتفسيرات الخاطئة، أو لأنها اعتمدت مقاربة تقوم على الافتراض وتنتهج سلوكاً مجافياً للحقيقة، فتضيع في سراديب الاحتمالات أو تصل إلى عنق الزجاجة حين تصطدم بالواقع ومن الزاوية ذاتها.
والمعضلة التي واجهت أغلب تلك المبادرات تكاد تتكرر في السياق ذاته مع فارق بسيط لا يغيّر في جوهرها شيئاً، ولا يعدّل في مضمونها بقدر ما يجزم بأنها استنساخ مُبطّن لبعضها، أو مُعلن في بعض الأحيان، وهذا ما دفع بأغلبها إلى الاصطدام بالحائط المسدود أو الاستعصاء، خصوصاً حين تقترن بسياق يبتعد عن أساسيات الطرح أو عن بديهيات العمل السياسي وأفق الحلول الممكنة في ظل حالة المراوحة بالمكان التي سيطرت طوال تلك السنوات.
الواضح اليوم أننا أمام مقاربات تختلف في سياق التعاطي، وتُبدي جدّية في محاكاة الوقائع، لكنها حتى اللحظة تواجه مأزق الافتراض ولو كان بنسب متفاوتة أو أقل بكثير مما كان حاضراً في المبادرات الماضية، وأولى تلك المعضلات التي تظهر من القراءة الأولى أنها تفترض نيّات طيبة تجاه حالة واضحة لا تحتمل حسن النيات، حين تتعاطى مع المسألة من بوّابة ما سَرَى في الأيام الأخيرة لينتصب السؤال مع مَن وبين مَن ؟!
وإذا ما عدنا إلى طرح ما قيل سابقاً فسنجد مثلاً أن الحكومة السورية فريق معلن وواضح في هذا السياق، فمَن يكون الآخر الذي يجب أن يكون حاضراً ومُمثَّلاً ومُمثِّلاً، هل هم المعارضون المقيمون في فنادق الدوحة واسطنبول أم الدول الداعمة التي تستضيفهم، أم ما اصطلح -زوراً وبهتاناً- على تسميتهم بالمعارضة المسلحة أم الدول التي تموّلهم وتسلّحهم، أم التنظيمات الإرهابية ومَن يقف خلفها أم هم جميعاً.
إذا ما أخذنا الأشياء كما هي من دون أي تجميل فسيكون صعباً على أي طرف الدعوة لحوار أو حل مع الإرهاب، ما يعني استبعاد الإرهابيين وتنظيماتهم، بكل أشكالهم ومسمياتهم من المعتدلة إلى المسلحة وصولاً إلى المتطرّفة والمتشدّدة، حيث الأصل واحد والفارق معدوم سياسياً وواقعياً، فمَن يتبقّى؟!
لن ندخل في تفاصيل إجابة معروفة للقاصي والداني، حيث الباقي وفق المصادر الغربية ذاتها من الصعب التعويل عليه، ولا يجوز الانتظار حتى ينضج وهو بالأساس لن ينضج، وهذا كلام غربي فما بالكم بالكلام الشرقي..!!، ومن يناظرهم في المشهد ؟!
بالتأكيد لا نريد أن نبني على الافتراض وسبق له أن هدّم وأعاق وعطّل في الماضي، ولا نريد أن تدخل أي مبادرة في عنق الزجاجة بحثاً عن حالة افتراضية ثبت بالتجربة وعلى مدى السنوات والأشهر الماضية أنه لا جدوى من التعويل عليهم، ولا على من يمثِّلون، وقد تأكد الجميع أن أقصى حالات التمثيل لهم تبقى في زوايا التطرف والإرهاب ليس أكثر، كي لا يضيع الوقت من جديد ونعود إلى الاصطفاف السياسي وداخل حلبات الملعب الأول تمهيداً للعودة إلى عنق الزجاجة.
ببساطة شديدة.. الحل السياسي ضرورة ومطلب وحاجة.. لكن يقف الجميع ومن دون استثناء أمام تحدّ واضح وخطير هو الإرهاب وبعده يطول الحديث أو يقصر، بل نستطيع أن نجزم أن هناك طرفين لا ثالث لهما، الطرف الأول يريد محاربة الإرهاب ويعمل بجدّية في هذا الاتجاه، والطرف الثاني هو الإرهاب ومن يدعمه أو يتغاضى عن جرائمه ويعمل على توظيفها لأهداف سياسية وله مصلحة في ذلك، أو من يسكت ويقف في موضع الشيطان الأخرس، وجميعهم في كفّة واحدة سواء كان بالاختيار أم بحكم الأمر الواقع، وإلا فجميع الطروحات والمبادرات إلى عنق الزجاجة سِرْ.
a.ka667@yahoo.com