ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
لم يخرج وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن سياق الحقيقة المعروفة والواضحة للجميع بأن السياسة الغربية حوَّلت الشرق الأوسط إلى بؤرة للإرهاب، والأخطر- وإن لم يقله لافروف-
أن استمرارها بهذه السياسة سيحوِّل العالم برمته إلى بؤرة يتقاذفها الإرهاب، وربما يتقاسم تركتها وما راكمته أذرع رعاته ومموليه وحماته حولها.
عند هذه المقاربة التي تنطوي على وضوح لم يكن غريباً على السياسة الروسية، تتحرك جملة من المؤشرات التي ترسم خطاً بيانياً من الإحداثيات الجديدة في محاكاة السياسة الدولية، مما اقتضى إعادة معايرة روسية إضافية لمواجهة التحديات، والحيلولة دون الانزلاق أبعد في تحديد معالم مرحلة لا تكتفي بتوضيح ما يجري من تجاذبات على الساحة الدولية في لحظتها الراهنة، بل تترجم خطوات نسق كامل من الدول التي كانت جزءاً من أدوات المشروع الأميركي أو قريبة من ذلك، حتى لو انطوت تحت عنوان حليف، وتريد أن تغتسل مما علق بها.
فرغم حالة التصعيد الواضحة في الميدان من قبل المرتزقة والإرهابيين، وفي السياسة من قبل رعاتهم ومموليهم، فإن البحث عن تحسين شروط الجلوس على الطاولة حين يستدعي الأمر ذلك، حتى من قبل أولئك الذين يدركون سلفاً أن فرصهم في الاستحواذ على مقعد لم تعد كما كانت في الماضي، ولا هي متاحة حتى بالاستجداء، حيث المبازرة تدور في الربع الأخير من الساعة الأميركية التي يتوه فيها التوقيت على وقع الإفلاس الحاضر في زوايا المداورة الأميركية.
فالمسألة في العرف السياسي القائم أن الصيغ التي طالما شكلت في الماضي سلّم نزول عن الشجرة التي اعتلتها الأدوات الأميركية، وبالغت في تقمص الدور من خلالها، باتت أعقد من ذلك بكثير، حيث الفارق بين النزول الأميركي المعتاد وسقوط الأدوات كما أثبتت التجربة يدفع إلى الجزم بأن موسم الهرولة الذي يلوح في الأفق سيكون مزدحماً على مرتاديه، ومكتظاً بالباحثين عن موقع أو دور، وأحياناً عن حصة، لكنها وفق المعيار الروسي.
المرحلة الفاصلة تبدو شديدة التعقيد والخطورة، وهي ترسم ملامح تصعيد واضح وتسخين متعدد الاتجاهات لم يكن آخرها الدخول الإسرائيلي، كما لم تكن بدايته من خطوط القتل والدمار التي ارتهنت لها التنظيمات الإرهابية على وقع المجريات السياسية التي أفرزتها حالة الحراك السياسي بأوجه نشاطه المختلفة، حيث تأخذ المقاربات المتسرعة جزءاً من المداورة، لكنها لا تكفي لحفظ ماء الوجه، ما استدعى استدارة معاكسة أو مضادة.
الواضح أن بعض الدول الإقليمية لا تكتفي بتدوير الزوايا والمواقع والأدوار، بقدر ما تسعى إلى البحث عن موضع قدم على طاولة يتم الترويج لها أو التلويح.. ولو كانت بعد حين، خصوصاً مع الإدراك بأن زمن البحث عن الحلول بات يغاير أو يعاكس موعده المقرر أميركياً، وبالتالي لا بد من مواءمته ليتوافق مع التوقيت الروسي..!!
من هنا قد يكون كلام الوزير الروسي في بعض جزئياته توطئة في لعبة شد الحبال المحتدمة اليوم، وربما أيضاً في سياق الرسائل العاصفة المتبادلة بين الأقطاب الدولية في الوقت الفاصل بين اتجاهين، وربما بين رغبتين.. الأولى في ضرورة وضع حدّ للتسويف، والثانية التي تعوِّل على المراوغة والتضليل والنفاق لبعض الوقت، والتفاصيل المتبقية لا تعدو كونها إضافات خارجة عن النص لا تستطيع أن تعدِّل في الكفّة.
في الحقب المفصلية -ولو كانت مجرد أشهر– يقتضي تعديل التوقيت قراءة مختلفة، وما كان رائجاً وفق التوقيت الأميركي لا سوق له بالتوقيت الروسي، وستبدو الحاجة أكثر إلحاحاً للجزم، خصوصاً حين تقترن المشاهد بحماقة التعويل على ما تبقى من رماد الأوراق المحترقة على الطريقة السعودية، أو عندما تكون مصحوبة بعربدة على النموذج الإسرائيلي، ورعونة في التوصيف والتقدير والمكابرة على الشكل التركي، حيث تجتمع المعطيات لتقود إلى الممر الإجباري الذي مهّد له الحديث الروسي عن السياسة الغربية وما جلبته، وسيتبعه حديث مفصّل وفق عقارب ساعة يحددها الروسي عن تبعات ما اقترفته أدوات دعم الإرهاب.. المعتمدة منها أو التي قدمت نفسها طوعاً ولا تزال تعرض خدماتها حتى اللحظة..!!
a.ka667@yahoo.com