الجولان في دفاتر الجلاء..

ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:

لم يغب الجولان عن أدبيات الخطاب السوري يوماً، وكان الحاضر الدائم في وجدان السوريين، تحديداً حين تحضر دفاتر جلاء المستعمر الفرنسي عن سورية ونيل الاستقلال الوطني الناجز، بل إنه تحوّل في مراحل كثيرة، خصوصاً في السنوات الأخيرة، ليكون أهم العناوين الوطنية، التي يتوقف عندها حديث السوريين، بانتظار تحريره وعودته ليكتمل عندها معنى الجلاء.
هذا المعيار لم يتغير، ولم يتبدل بالرغم مما فرضته سنوات الأزمة، بل ظلّ في أدبيات أي نقاش أو خطاب واحداً من محددات السلوك الوطني، ومقياساً لحدود العلاقة مع الوطن وثوابته، ومحددات وجوده الفعلي.‏

والإحداثيات المستجدة في السياسة والمقاربات المتصلة بها لم تضف ما يمكن أن يؤشر إلى تعديل في المزاج الشعبي، بل على العكس ربما شكّلت تحريضاً حقيقياً على الفرز والفصل بين شوائب علقت هنا أو تجددت هناك، وكانت الخط الفاصل بين ما يقتضيه العمل الوطني وبين ما نما من طفيليات مضافة بحكم التطورات والتداعيات.‏

وما يضفي على الحديث هذا العام المزيد من عوامل الضرورة توارد معلومات عن المحاولات المحمومة من قبل «إسرائيل» لتوظيف ما نتج، والأخطر تلك التسريبات التي وردت من البعض في أحاديث جنيف وأروقته الداخلية عن الجولان، بما فيها من تجاوز مسلّمات لا يحق لأحد في العالم أن يتخطاها، باعتبار أن الجولان قضية وطنية لا تحتمل حتى النقاش، ولا تقبل أن تكون خلافية تحت أي عنوان أو مسمى، وعودته تحظى بإجماع السوريين، وبكل السبل المتاحة السياسية وغير السياسية، وحتى العسكرية، لأنه محتل.. ومقاومة الاحتلال واسترجاع الأرض المحتلة كفلهما القانون الدولي والتشريعات الدولية، وهذا حق أزلي لا يمكن لأي سوري أن يناقش فيه، ولا يحق له أن يجادل حتى في مفرداته.‏

من الواضح أن اللعب بهذه الورقة أو الدفع بها إلى طاولة المبازرة السياسية يكشف حجم الهوة الواسعة بين مفهوم المعارضة الفعلية وبين دلالة الارتزاق السياسي في التسمية بمختلف تصنيفاتها من المعتدلة إلى المسلحة إلى المتطرفة، وصولاً إلى الحالة الإرهابية القائمة وأوجه التعاون الوثيقة مع كيان الاحتلال، وليس انتهاء بتوقيت إثارته، واللغط الإسرائيلي عن أوهام نتنياهو في الطلب من هذا الطرف أو ذاك للضغط هنا أو لتمرير موقف هناك، في أضغاث أحلام لن تعدّل في نهاية الأمر شيئاً.‏

الجولان ليس قضية سياسية أو وطنية أو عاطفية فحسب، ولا هو أرض محتلة ستعود عاجلاً أم آجلاً كما عاد غيرها، وسيندحر احتلالها كما دُحرت كل الاحتلالات في العالم، كما أنه لا يقتصر على كونه عنواناً وطنياً بامتياز، تتلاقى وتتقاطع وتتطابق حوله ومعه كل آراء السوريين، بل يجسد الوجدان الجمعي للسوريين، كما يمثّل الكرامة الوطنية في بُعدها الشخصي، وهو المسألة التي لا يمكن لسوري أن يقدّم وعوده فيها أو حولها، وليس بمقدور كائن من كان.. لا هنا ولا في أي بقعة من الأرض أن يفرض قراره، أو يملي تأثيره وحضوره، فالجولان قطعة من الجسد السوري الذي لا يمكن أن يتعافى من دون عودته كاملاً، وحتى آخر ذرة تراب فيه.‏

بالتأكيد ليس من باب المصادفة أن يصل الاستفزاز الإسرائيلي إلى ذروته حين تحاول حكومة الاحتلال أن تعقد جلستها في الجولان المحتل بالتزامن مع ذكرى الجلاء، بما تحمله من رسائل تصعيد تتجاوز الموقف السياسي، وما ينتج عنه، وتُوغِلُ في رسم صورة تسخين ميداني مفترض تترجم مساحات الدور الإسرائيلي في العلاقة التي نسجها وينسجها مع التنظيمات الإرهابية، وصولاً إلى ترجمة ما نتج عنها بخطوات أكثر استفزازاً.‏

لن نستعيد خطاب الجدل الكاذب الذي تروّج له «إسرائيل» ومعها الكثيرون من مرتزقة الفنادق، ولن نستعرض حالة الترف المتزايد لدى الإسرائيليين في مقاربة ما نتج من تداعيات في المنطقة، خصوصاً في محاولتها المحمومة لمحاكاة تمنيات وأضغاث أحلام تورّمت إلى حدّ المرض، واستطالت إلى درجة العفن السياسي، بل نكتفي بالفارق بين زمن يلوك فيه الإسرائيلي غطرسته، وبين عصر تكتبه تضحيات لا يمكن لأحد مهما بلغ شأوه أن يملي أو يستغل أو يحقق ما عجزت عنه الحرب العدوانية بكونيتها واتساع طيف المعتدين فيها.‏

أمام الجلاء وفي ذكرى سبعين عاماً نستعيد حكايات ونفرد أوراقاً ماضية تتقاطع مع الحاضر، ومع المفازات التي رسمتها قوى الاستعمار في حينه وفشلت، وتحاول اليوم قوى العدوان مدعومة بإرهاب أنشأته ونظمته وموّلته وسلّحته، كما لم يسبق للتاريخ الحديث أن شهده، أن تعيد الرسم أو تقلّد الإحداثيات التي عملت عليها خرائط أطماعها في ذلك الحين، لكنها لم تستطع ولن تستطيع، فالجلاء في سورية احتفاء بما حققته بطولات الأجداد، وامتداد لما يصنعه حماة الديار، ولما قدمه السوريون اليوم، والجولان كان وسيبقى حاضراً ومستمراً حتى يُنجز الجلاء الأكبر في اجتثاث الإرهاب وعودة كامل التراب الوطني من الجولان إلى لواء الاسكندرون.‏

 

a.ka667@yahoo.com ‏

آخر الأخبار
الشيباني لـ "فايننشال تايمز": نسعى إلى بناء اقتصاد مزدهر الدكتور الشرع يبحث مع "الصحة العالمية" و"صندوق الأمم المتحدة" الرعاية الصحية الأولية الصفدي: السوريون يعيدون بناء وطنهم الحر الموحد "Euractiv": سوريا تنهي الوجود الروسي في البحر المتوسط "دافوس" .. سوريا ترسم ملامح حضورها على الخريطة الاقتصادية العالمية "المركزي" يسعى لخطوات ناظمة تعيد الاستثمار إلى مكانه الصحيح والأكثر فائدة هيئة الاستثمار في طور إعادة الهيكلة الاستثمار بالزراعة أولاً إيقاف الودائع بالقطع الأجنبي.. خطوة جريئة أم مخاطرة اقتصادية؟ "البسطات العشوائية".. ظاهرة تتفاقم وباتت مشكلة فرنسا تصدر مذكرة اعتقال بحق الأسد الدمار في حلب.. وحشية بلا حدود قريباً.. مركز للنظافة في داريا بدايات جديدة لغدٍ أفضل تزويد محطات مياه طرطوس بالوقود في "دير ماما".. صناعة الحرير الطبيعي تدهورت زمن النظام البائد فهل ننقذها من الاندثار؟ مخبر "النيماتودا" في معبر نصيب للتأكد من سلامة الإرساليات النباتية إزالة الركام من حي المنشية في درعا البلد مراكز درعا الصحية تواصل تقديم خدمات اللقاح ببراميل النظام المجرم وصواريخه.. دمار هائل في حلب