ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
أقفلت لوزان قاعاتها كما فتحتها، ولم يَعُدْ هناك ما يمكن الاتكاء عليه للإضافة من خارج النص، ولا سيما بعدما أغرقَ المبعوث الأممي بمبادرته- ما سبقها وما قد يلحق بها- حيث أتخمت التفاصيل المتسربة أجواءَ اللقاء بما يفيض عن الحاجة من عوامل التشاؤم،
في حين تحوّل الكثير من المفردات المستخدمة إلى مفخخات سياسية، حالت الدبلوماسية الروسية دون انفجارها، وإن كان تأجيلها لا يعني نزع كامل الصواعق المزروعة داخل مصطلحاتها.
في القراءة الأولية.. لا مفاجأة لما ذهبت إليه اجتماعات لوزان؛ إذ إنَّ ما عجزت عنه أشهرٌ طويلة من التفاهمات والاتفاقات، لا يمكن لاجتماع أو جملة اجتماعات- جاءت في الوقت بدل من الضائع- أن تُحققه، وهي معطيات قد حطت رحالها قبل أنْ تتحدد هوية المشاركين وجغرافيتهم السياسية ومراكز القوة داخل القاعات السويسرية وخارجها.
لكنّها في المقابل أدخلت الأطراف المختلفة سباق المسافات الدبلوماسية الطويلة المبنية على معادلات تدرك جميع الأطراف أنها لا تزال تفتقد للعامل المشترك الذي يمكن أن يكون أحد ركائز الإجماع الفعلي، في وقت تدرك فيه بعضها أنها جاءت إلى الاجتماع بحكم الوظيفة؛ وأنّه لا ناقة لها ولا جمل إلا الموافقة على ما يصدر من مداولات الطاولة الثنائية، في وقت ينشغل البعض بالبحث عن لغز لن يؤخر أو يقدم، وإن اتفق الجميع ووضعوا حساباتهم ألا تصل الأمور إلى حيث لا أحد بمقدوره أن يضع توصيفاً يمكن اعتباره قادراً على إيجاز ما حصل، خصوصاً لجهة ما يجري تداوله من مداورة صعبة أو مستحيلة الحل، حيث المسألة أبعد من خلاف أو اختلاف.
عند هذه النقطة كانت المداولات الخارجية والداخلية تبحث في سراديب المشهد السويسري عن تقاطعات لا تصلح معها الحلول الوسط، أو الوصفات المقتبسة من الطرح الأميركي، وإن جاء بها المبعوث الأممي على شكل ورقة حملت عنوان المبادرة، لكنها افتقدت لِما هو خارج المعيار الأميركي، وأثقلت على حاملها، عبء الدفاع عن خطابٍ ليس له.
المقاربة الصريحة أنَّ لوزان لم تحقق ما عجزت عنه اجتماعات ماراثونية سابقة، بعضها ثنائي وكثير منها متعدد الأطراف، ولم تنفع تصريحات كيري التوضيحية ولا إسهابه في الشرح المطول لما هو قادم، أو قد يأتي لاحقاً في إطار المتابعة، حيث المكتوب أو الذي كتب على طاولات لوزان بدءاً من الثنائية وانتهاءً بالاجتماع الأساسي يُقرأ من عنوانه، وإن أشاحت مختلف الأطراف نظرها عنه، أو أجلت النطق بما هو مدون، وبالخط العريض.
لسنا بوارد الاقتباس.. لكن ثمّة ما يدعو إلى المقارنة بين خطاب يريد اليوم أن يلتف على المشهد من زاوية غضِّ الطرف، ومشهد لا يزال يمسك بأطرافه بما في ذلك تلك التي تدلّت خارج سياق الموضوع الأساسي، وأن الاشتباك السياسي والدبلوماسي المؤجل لم يضع أوزاره بعدُ، ولم ينهِ حملته بعدُ، بقدر ما يتحضَّر لجولة قادمة من التصعيد، حيث تختلُّ فيها أطراف المعادلة، وتعجز بمعظمها عن تحديد تموضعها الحقيقي والفعلي، فتفقد دورها ووزنها ووجودها.
ما هو مؤكد أنَّ لوزان كانت مجرد محطة إضافية لتأكيد الاختلاف إلى حد التناقض، أو ربما في أفضل حالاتها كانت فرصة إضافية لتحبير إحداثيات تلك الاختلافات، وقد تكون نقطة تموضع بين حقبتين استطاعت أن تؤجل صداماً دبلوماسياً قائماً .. لم تُلْغِهِ، لكنّها ربما نجحت جزئياً في تحديد ضوابطه، ونزعت بعض صواعقه، وإنْ كان إلى حين.
فتات الأوراق الأممية المبعثرة سيطغى على الكثير من التفاصيل الملحقة، وقد يطول الجدل أو الإسهاب في الشرح حوله، فيما الميدان وحده يتكفَّل في نهاية المطاف بما عجزت عنه طاولات السياسة وجولات الدبلوماسية، ويتعهد بما بقي من مشاهد إضافية في فصل لم تُسدل الستارة السياسية بأبعادها الدولية عليه.
a.ka667@yahoo.com