دبلوماسية الوقت الضائع

ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
لا يعني عودة الدبلوماسية إلى الأضواء بأن أصوات طبول الحرب ستقف عند هذا الحد، أو أنها ستتلاشى، أو أن مريديها ومحترفيها من أصحاب الرؤوس الحامية سيكفون عن النفخ في جمر التصعيد، خصوصاً مع بروز معطيات واضحة أن المناخ السياسي الذي قاد إلى هذه المحصلة لا يزال سارياً،

وأن الساسة الأوروبيين الذين بتنا نسمع أصواتهم صباح مساء يعوّلون عليه للبقاء تحت دائرة ضوء التصريحات.‏

فالواضح أن تتالي الإعلان عن مواعيد الاجتماعات بما في ذلك اجتماع لوزان بين الأميركي والروسي بمشاركة إقليمية لم تحسم أطرافها بعد، لا يعكس بالضرورة الميل نحو الدبلوماسية رغبة فيها أو تعويلاً حقيقياً على النتائج التي ستقود إليها، بقدر ما تعني أنها دبلوماسية الوقت الضائع، التي تصلح للفصل بين حقبتين من التصعيد أكثر مما تعكس انزياحاً نحو التهدئة أو تعديلاً في الأجندات، التي وقفت ولا تزال وراء لغة المواجهة والتي غلبت عليها إلى حد بعيد مصطلحات ومفاهيم ساهمت في تدحرج الكرة إلى الحد الذي دفع بالكثيرين إلى المبالغة في الاستنتاج والتفسير لما يجري، بما في ذلك أولئك المروجون لما هو أكثر من ذلك.‏

فالمسألة لو كانت تتعلق باجتماع هنا أو هناك، أو لو أنها ترتبط بالمساحة والمكان وحتى بالحاضرين داخل أو خارج الاجتماع نستطيع أن نجزم بحتمية التفاؤل، بل بإمكانية الوصول إلى مخارج فعلية يمكن المداورة عليها والالتفاف على مفازات الاستعصاء الحاصل في الكثير من الطروحات المتصادمة بين اتجاهين اتضحت الملامح حولهما حتى فيما يتعلق بالتفاصيل، لكن تبقى المشكلة في الجدية، والمعضلة في سياق سياسي يفتقد للإرادة الفعلية في مكافحة الإرهاب وفي أطراف لا تزال تراهن عليه، وترفع من وتيرة تصعيدها في إطار الابتزاز السياسي الصرف من خلال الضغط حيناً والتهويل في أغلب الأحيان، حيث الفارق بات من الاتساع إلى درجة لا يمكن ردمه في اجتماع، ولا يمكن تجاوزه بمجرد اللقاء.‏

وهذه ليست حالة من التشاؤم أو محاولة استباق لما سيجري في لوزان، بقدر ما تعكس واقعاً واضحاً لم تتعدل فيه المقاربات الفعلية، ولم تتحرك المواقف خارج متاريسها المعروفة والتقليدية، وكل ما في الأمر أن هناك من رغب في البحث عن سلّم يستطيع أن ينزل من خلاله عن المواقف التي صعد عبرها إلى حيث لم يعد بمقدوره العودة من دون إضافات هنا أو هناك تساهم في التخفيف من السقوف المرتفعة لمواقفه.‏

وفي التجربة.. اعتدنا من الدبلوماسية الروسية اتقان العمل في مثل هذه الظروف ووفق تلك المعطيات، وأن توفر مخرجاً لمن صنع مأزقه بيديه حين بالغ في تصعيده وصعوده متكأً للنزول مع الحفاظ على الحد الأدنى من ماء الوجه، لكنها كانت على الدوام لا تستطيع أن تثق بالأميركي، ولا أن تراهن على حسن تعاطيه في كثير من الأحيان مع ما تقدمه روسيا من مبادرات ومن مداورة للزوايا لتصبح قابلة للانفراج بما يسمح على الأقل بالعودة إلى أروقة السياسة وكواليس الدبلوماسية.‏

ولا يخفى على أحد أن أميركا ليست في موضع تستطيع فيه أن تفي بما هو مطلوب، ولا هي في موقع تتمكن فيه من طرح أكثر مما طرحته، وهذا يفرض بالضرورة أن العودة الأميركية إلى طاولة السياسية ليست من باب الجدية، بقدر ما هي مناورة إضافية لكسب المزيد من الوقت، أو للعب على المشهد في الوقت الضائع من زمن وجودها أو فاعليتها السياسية على المسرح الدولي.‏

أما الكومبارس الأوروبي الممثَّل بشقيه الفرنسي والبريطاني، فحتى هذه اللحظة لا وجود له على الطاولة، ولن يكون هناك اختلاف كبير حتى لو وجد، حيث الفارق لا يتعدى زيادة في عدد المقاعد أو إضافة في لائحة المدعوين الذين يصطفون على يمين الأميركي أو على يساره، من أجل أن تكون الصورة التذكارية المتوقعة صالحة للأرشيف السياسي أكثر مما هي قادرة على إحداث اختلاف، إلا فيما يتعلق بالعودة إلى النفخ في سقوف المواقف بدل العمل الجدي على تهدئة الأجواء، ولا نعتقد أن هناك حاجة لمزيد من النفخ فيها.‏

ما هو محسوم أن الإعلان عن موعد الاجتماعات لا يعني أبداً العدول أو التعديل في المواقف والمقاربات، ولا يؤشر إلى أن هناك أفقاً للحديث السياسي، بقدر ما يؤكد المؤكد بأن الدبلوماسية ومفاعيلها ليست أكثر من إطفائي يجول في الوقت الضائع، فيما المتغيرات الميدانية والخطط الاستخباراتية وتسريبات التهويل والمبالغة أو التي تشير إلى النيات الغربية ستبقى على حالها، والسباق الفعلي اليوم يبقى قائماً في الميدان بين إرهاب يندحر ورعاة ومشغلين ينبشون في أوراقهم القديمة عما قد يوقف التقهقر، بما في ذلك ما سُرب أخيراً عن اتفاق أميركي سعودي على تسهيل خروج داعش من الموصل باتجاه سورية كعينة متواضعة من النفاق الأميركي المتواصل، سواء حضرت الدبلوماسية أو بقيت طبول الحرب ودعاتها المتجول الوحيد في ساحات المواجهة.‏

a.ka667@yahoo.com

آخر الأخبار
وزير الأوقاف يشارك في لقاء حواري مع أبناء الجالية السورية بقطر  الرئيس الشرع يلتقي في الرياض رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA)    وزير الاقتصاد يبحث في الرياض فرص الاستثمار وإعادة الإعمار    رغم المخاطر.. مئات العائلات تعود لبيوتها المدمرة في غزة   رؤية مستقبلية لإعادة بناء حمص   بتمويل من السويد... مشروع لتعزيز مهنة القبالة  المدارس الافتراضية تربط أبناء الوطن بالتعليم الوطني    الشرع يلتقي وزراء الخارجية والداخلية والاستثمار السعوديين في الرياض منذر الأسعد: مؤتمر الأقليات في إسرائيل مشروع انتخابي والهجري يراهن على نزق نتنياهو للحماية  سوريا ترسم خرائط عودة تعافيها وتعبد طرقات اقتصادها بالاستثمارات ثمرة جهود مهندسي المهجر.. أول توءمة بين جامعة سورية وأمريكية 250 مليار دولار قيمة صفقات "مستقبل الاستثمار".. تعاون عالمي للازدهار المشترك رهان جريء.. صناديق الاستثمار دعم للاقتصاد السوري  سلامة البيئة المدرسية ضمانة لجودة التعليم وصحة الأجيال تراجع ملموس في إنتاج الزيتون لهذا الموسم وبنسبة 45 بالمئة  من فكرة إلى مشروع رابح.. تجربة رائدة في الزراعة الاستوائية  سوريا والسعودية.. شراكة لتعزيز الاتصالات والتحول الرقمي دعم صناديق الاستثمار في سوريا يعزز الاستقرار والتنمية قدرات سورية 1000.. توثيق الكفاءات في مسار بناء الدولة الجديدة تحذير أممي من فظائع وانتهاكات خطيرة في الفاشر وكردفان بالسودان