ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
يخرج حبل داعش السري من ردهة الألغاز، ويتدلى وسط سيل من التكهنات السابقة واللاحقة في اتجاهات تفتقد لعنصر المفاجأة، وتغيب عنها عوامل الدهشة المعتادة في إعادة اكتشاف المكتشف، وتخرج من بين دهاليز السياسة الأميركية كلمة السر المخبأة،
بحيث يتحول التنظيم الإرهابي المتورم في العقل الغربي إلى مجرد بقايا من مساحات تضمحل أو تكاد، وسط سيل من التداعيات التي تُحوَّل بعض النتف السياسية إلى قرائن وأدلة بالوقائع والمعطيات.
فإذا كانت تلك العلاقة الأثيرة إلى قلوب الأميركيين قد بقيت طوال سنوات خلت مجرد اتهامات، تحوم حولها العديد من الأسئلة المحيرة، وتنعقد على أساسها الكثير من الاستنتاجات، فإنها تعود اليوم إلى الواجهة مع الاستطالات السياسية والميدانية التي تحاكي في أغلب الأحيان الكثير مما تم تجييره لخدمة الهدف الأميركي النهائي، بعد أن خرج الداعشي من القمقم ليفصح عن وجه العلاقة التي تربطه بالأميركي ووكيله الإقليمي بنسخه المتعددة.
الصحافة الغربية لم تتوقف طويلاً أمام الانسحاب المتتالي لداعش، والإخلاء اللافت للقرى ومن دون أي قتال أمام التنظيمات الإرهابية الأخرى المدعومة من تركيا، حالها في ذلك حال الساسة الغربيين الذين لا يستطيعون النظر أبعد من حسابات المصالح والصفقات، أو وفق أمر العمليات الأميركي المتغير حسب الظرف أو التوقيت، ولم يستثمر الإعلام الغربي في المفارقة التي يتقاسم فيها الأميركي مع وكلائه جسور وقنوات التواصل مع التنظيمات الإرهابية، حيث لا جدوى من المتاجرة بالبضاعة التي تكسد بعد حين في خطاب منافق وسط بيئة فاسدة.
لكنها في الوقت ذاته تحمل ما يؤشر بوضوح إلى الحالة المنفلتة التي تعبر عن حد أقصى وبسقوف مفتوحة من الفضيحة في سياق اللعبة التي وصلت إلى نهاياتها، حيث داعش يتحرك بأمر عمليات متبدل، أو بصيغة أخرى يكبر ويتورم حين تريد له أميركاً، أو يتحوّل ويصبح مجرد ظل متواضع لحالة من الاستطالة المرضية القائمة، وفي الحالين المسألة تتعلق بحدود العلاقة الفعلية بين داعش والاستخبارات الأميركية والتركية على وجه التحديد، وصولاً إلى ما تم تصنيعه من متشابهات إرهابية لتنظيمات تتعدد في التسمية لكنها تتفق في الأصل والعلاقة القائمة.
هكذا يتدلى حبل داعش السري بدءاً من حديث المرشح الجمهوري للانتخابات الأميركية وما يسوقه لمنافسته الديمقراطية، وتقاطعه مع معطيات ما يتسرب تباعاً من مراسلات خصمه الديمقراطية هيلاري كلينتون، والتي تجزم إلى حد اليقين بالعلاقة المتأصلة بين التنظيم والاستخبارات الأميركية التي كانت تتم بإشراف مباشر من الخارجية الأميركية،
من المحسوم أن اندحار داعش في أي بقعة هو نقطة إيجابية في مسار الحرب على الإرهاب، حتى لو جاء هذا الاندحار على شكل تغيير في العلاقة بينه وبين الاميركيين أو كان تبعاً لتطورات اقتضتها الأدوار الوظيفية للمشغلين الإقليميين، وتحديداً تركيا والسعودية، لكن النقطة التي تقابله في الأهمية أن اندحار داعش لا يعني بالضرورة هزيمة للإرهاب، وخصوصاً حين يكون لعبة لاستبدال إرهاب بآخر كما يحصل في المناطق التي تمارس فيها القوات التركية عدوانها الموصوف على الأراضي السورية، أو حين تكون العمليات الأميركية جسراً يستبدل فيه داعش وجوده وحضوره وأمكنة سيطرته.
داعش المهزوم ومن دون قتال في قرى وبلدات بالاتفاق مع الوكيل التركي، هو ذاته المنسحب في بقع أخرى بالتفاهم مع الأصيل الأميركي، والفارق أن ما يُروَّج هناك قد يخضع لمخالب الحذف وقفازات الإضافة على متن النص، فيما ذاك الذي يُسَوَّق هنا يؤخذ من الإعلام الغربي وفي خطاب ساسته كما هو حرفياً، ولا مجال للاجتهاد أو التأويل أو التفسير، فالأميركي بأصله وجذره ومسوغات استخدامه الوظيفي للإرهاب لا يسمح ولا يمكن أن يقبل يوماً من يشاركه إدارة اللعبة إلا وفق المساحة التي يحددها وتتوافق مع أجنداته، وهذا ينسحب على المشغلين الإقليميين وغير الإقليميين كما يشمل الإرهابيين والمرتزقة والقتلة المأجورين.
a.ka667@yahoo.com