ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
مائة عام إلا قليلاً لم تكن كافية كي يخرج وعد بلفور من عهدة بريطانيا التي تجددها بمزيد من التآمر المعلن، وإن بدا مستنسخاً في حضوره داخل عباءات الورثة والشركاء الذين ما فتئوا يطلقون وعودهم، التي تجاوزت المساحات والمهل وما انطوى عليها،
وقفزت بعيداً في افتراض تفاصيل المشهد التالي الذي يلغي ما سبقه، أو على الأقل يوصد الباب على ما راكمه من تداعيات، وهي توغل في رصد المحاصصة السياسية وغير السياسية تبعاً لتلك الافتراضات، حيث المقارنة ظالمة والاستشهاد بما تحمله من مخاطر أكثر ظلما.
الصوت العربي المبحوح للتنديد بوعد بلفور بقي حيث كان قبل مائة عام، بل خفت في بعض الأحيان إلى حد التلاشي، ولم يعد أحد يذكره إلا لوضعه على روزنامة المواعيد الاحتفالية والأجندات البرتوكولية، حين كانت صفحات الذكرى تمر وتقلب واحدة تلو أخرى، والزمن الذي يسجل عدد الأعوام بالكاد يلمس الفرق بين رقم كان قبل سنة وآخر يأتي بعد سنة، وما طوته الأحداث يتجدد أمام أعين الأعراب التي كانت تراكم من تجربتها في مهامها الوظيفية وأدوارها لتكون دائما على مقاس تواطئها، وعلى قياس المطلوب منها غربياً، حيث السكين المغروز في الخاصرة العربية كان يشهر ذاته في الوجه العربي، ويستخدم للطعن في الظهر، حين تسنح الفرصة أو حين يتطلب الدور.
مائة عام إلا قليلاً وسيل الوعود لم يتوقف، وتداعيات ما راكمه لم تهدأ ولم تتغير، والوجع فيه لم يتبدل، والغصة التي أبقت ذاك الصوت مبحوحاً لم تبرح موضعها ولا مكانها، والذريعة التي حالت دون أن تتغير محاكاة الواقع المر هي ذاتها، فيما كانت فلسطين توضع على الرف وتستحضر الجامعة العربية ملفات أمر العمليات لتوغل في الطعن وليكون دورها الوظيفي جزءاً من نسيج المقاربة الأعرابية وموقعها داخل المشروع الصهيوني بنسخته الأميركية المعدلة.
لغة الوعود التي تتزاحم بالتزامن مع ملامسة وعد بلفور عتبة المائة عام، تشتق من الوعد ذاته مواعظه الكاذبة وتحمل في مفرداتها المصطلح نفسه وإن تبدلت أحرفه أو تغيرت، حيث الوعد بالمزيد من فوضى الخراب لم تكن قادمة من خارج سياق الوعد، وإن جاءت من بعده في حالة من التراجيديا التي تعيد رسم أطماعها على التفصيل بين وعد مضى وآخر قادم على اذرع الإرهاب ومنتجاته أو في الحد الأدنى كجزء من مشروع استخدامه.
ليس من العبث أن تحاكي مختلف الوعود المقدمة ما ذهب إليه بلفور ذاته قبل مائة عام، ولم يكن مستغرباً أن يكون المسار السياسي متوافقاً، بحيث يهب من حساب غيره، ويعيد تسليط الأضواء على سياقاته المختلفة تحت عناوين تتشابه في الشكل وإن تباينت جزئياً في المضمون، بحكم التطورات العاصفة القادمة وسط سيل من الاحجيات والذرائع، التي خرجت من تحت الطاولة لتستقر فوقها وسط علنية لم تكن المصادفة وحدها التي حركتها، ولا تلاشي التأثيرات أو المفاعيل هي التي أخرجتها إلى العلن، بقدر ما كانت نتاج حقبة تتجدد فيها الأطماع وإن تغير اللبوس أو تعدل الاتجاه.
فالشراكة المعلنة بين أدوات الأمس ونظيرتها اليوم مع ورثة الوعد المشؤوم هي التي تحدد سياق المشهد بتداعياته المختلفة، وإن كانت عاجزة عن التعبير عن كل التفاصيل المتدحرجة بين حقبتين متباعدتين زمنياً ومتشابهتين عملياً، حيث الفارق ليس في حدود ومساحة الامتداد التي تنطوي عليها الوعود، ولا تقتصر على أوجه الاختلاف في التسويق والترويج والذرائع، بل أيضاً في النتائج، حيث أن وعد بلفور الذي أراد البريطانيون أن يتم سحبه من التداول، يعود بعباءة تحملها أكف الأعراب وتغلفها أوجه النفاق الغربي بالطريقة ذاتها والمنهج نفسه.
المحاكاة الفعلية تنطلق من جوهر المواجهة المستديمة بين اتجاهين لا يزالان على خطوط تماس متبدلة ومتحركة، لكنها تحمل الفحوى عينه والمنهج ذاته، وهي في كل معطياتها نتاج أطماع غربية لم تتغير ولم تتبدل، وحصيلة دور أعرابي لم يكن بعيداً في لحظة من اللحظات عن مهمته الوظيفية المسندة له، ولا عن المحاولة المستميتة للإبقاء على أسباب وجوده ومبررات تلك البقعة الوظيفية التي تحاول أن توسع من مساحة حضورها بالإرهاب وأذرعه وتنظيماته تبعاً للحاجة الغربية، أو وفقاً لمقتضيات ما يطرأ من تعديل على أطماع الغرب وأوهام أدواته الإقليمية.
a.ka667@yahoo.com