ثورة أون لاين -بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
أعاد رئيس النظام التركي اكتشاف البارود..!! حين أعلن أن التنظيمات الإرهابية تحاول أو تسعى إلى نقل الحرب كما وصفها من سورية والعراق إلى تركيا، رغم أن التصريح بحد ذاته يحمل ما هو أبعد بكثير من حدود ومساحة ما ينطوي عليه من دلالة
في وقت بدت فيه المقاربات الإقليمية والدولية أمام انعطافة قد تكون الأكثر حدة ووضوحاً.
فحديث أردوغان يعرفه القاصي والداني، وإن كان بمقاربة أخرى، طالما تم التحذير من ارتداد الإرهاب مراراً وتكراراً بأن هذه التنظيمات الإرهابية لن تتردد في استهداف من يمولها ويرعاها، بل يظل في صدارة قائمة من تستهدفه بالعادة، حين تتبدل الأجندات أو تتغير الأولويات وتتمايز الأهداف أو تتعارض، ولو كان بشكل جزئي أو مؤقت أو مرحلي، حيث الإرهاب الذي يبحث دائماً عن مناخ يناسبه وبيئة ترعاه، لن يجد مرتعاً خصباً يجول فيه وينشط، كما هو الحال مع البيئة التي تربى فيها وتدرّب عليها، ونستطيع أن نجزم أن ما هيأه نظام أردوغان يمثل حالة مثالية للإرهاب.
لكن على الضفة الأخرى ثمة من يسأل سؤال العارف ليؤكد بأن رئيس النظام التركي لا يقصد من وراء ذلك الإقرار بهذه الحقيقة، بقدر ما يهدف إلى التعمية ومحاولة الإيحاء بأنه بات هدفاً للإرهاب، وأنه في الضفة المقابلة له أو مع المحور الذي يحاربه ويجابهه، حيث يقدم أوراق اعتماد تبدو غير صالحة، ولا يمكن لأحد أن ينخدع فيها بعد طول تجربة معه، ولا يمكن تسويقها أبعد من المنبر الذي أطلقها منه.
الواضح أن أردوغان تراوده مجموعة إضافية من الأوهام التي يريد عبرها أن يعيد إشغال الوقت بانتظار متغيرات يعوّل عليها، وفي مقدمتها وصول الإدارة الأميركية القادمة والتي يعتقد أنها قد تكون أكثر تفهماً لتلك الأوهام من سابقتها، وريثما يتحقق ذلك لا يتردد في الغرف مما هو قائم، بما فيها تلك المتعلقة بمستقبل علاقة نظامه بالتنظيمات الإرهابية والتي بات اليوم يقر بأنها موجودة في سورية والعراق، وأنها تعمل على نقل الحرب إلى أراضيه، وهو يدرك بحكم ما لديه من خبرة تراكمت عبر علاقة طويلة ومستمرة معها بأنها تمتلك الأدوات لذلك، بل وتعرف عن قرب نقاط الضعف لدى نظامه، وأنه لا يملك الرغبة ولا الإرادة في اتخاذ ما يمكن أن يحول دون ذلك.
ربما لا يتسع الوقت للإسهاب في شرح العوامل والأسباب التي دفعت بتركيا إلى هذا المأزق، أو هي لا تحتاج ذلك وقد أدركها الكثيرون مسبقاً، بمن فيهم أشخاص داخل النظام ذاته، ويحاولون أن يقدموا مقاربة مختلفة عبر تصريحات سرعان ما تتبخر مع الوقائع والممارسات على الأرض، حيث تشير المعطيات المتوافرة لدى أكثر من مصدر بأن علاقة أردوغان مع التنظيمات الإرهابية لم تنقطع، بل وليس بوارد الإقدام على ذلك، بما فيها النصرة وداعش ومستنسخاتهما، بل يدّخرها لابتزاز الإدارة الأميركية القادمة، والمساومة في صفقة يريد من خلالها أن يعيد تعويم نظامه بعد أن شعر أنه يغرق في مشهد أكثر من قدرته وطاقته على التحمل.
وفق هذا المعيار تتجذر القناعة، بأن إقدام رئيس النظام التركي على الحديث بلغة المكتشف لما يعرفه العالم أجمع جاء متأخراً.. ولا يعود إلى رغبة في الاستدارة ولا إلى مراجعة لموقعه ودوره، بقدر ما يعكس حالة من الزوغان السياسي، يتم التعبير عنها بصيغ تكاد تعيد جدولة المأزق التركي بصيغة مستهلكة لم تعد تجدي معها نفعاً المهدئات السياسية التي ربما كانت صالحة لبعض الوقت، لكنها بالتأكيد يستحيل أن تستمر طوال الوقت، خصوصاً بعد التطورات الأخيرة والرسائل الدموية التي يتبادلها النظام التركي مع بعض التنظيمات الإرهابية.
والمحسوم أن تلك الرسائل لن تبقى مقتصرة على ما يردده النظام، ولا على داعش، بقدر ما هو المآل الطبيعي لمصير العلاقة مع كل التنظيمات، بما فيها تلك التي يستميت من أجل تبييض صفحتها، أو تلك التي يسعى إلى إعادة تعويم وجودها، سواء تغيرت مسمياتها أم اكتفت بتبديل جلدتها، والأيام القادمة شاهد على شكوى تركية من البقية الباقية من تلك التنظيمات لن تتوقف، وإعادة اللعق في المشهد ذاته وربما المنبر نفسه.
a.ka667@yahoo.com