ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
لم يكن أكثر المتشائمين يتخيل أن يكون الحراك في جنيف وما حوله باهتاً إلى هذا الحد، وأن يصل التثاؤب الأممي بين منصات الإرهاب إلى هذا المستوى بحكم ما يتضمنه من سياقات موازية تفترض نفسها في موقع الاختبار الفعلي،
الذي يأتي كباكورة للنقاش الروسي الأميركي المعطل منذ وصول إدارة ترامب وربما قبلها، حيث اعتقد الكثيرون أن جنيف فرصة لقياس مدى التفاعل.. وقد يكون مناسبة إضافية لفتح أوراق لا تزال مؤجلة حتى اللحظة.
المبعوث الأممي من جهته لا يبدو في عجلة من أمره، ويستمهل خطواته إلى درجة أن الكثيرين ممن كانوا يتوقعون أن يستعجل طرح حلول كتكفير عما أضاعه أو لتحسين مسوغات بقائه، عدّلوا من خياراتهم منذ اللحظة الأولى التي سبقتها سلسلة تأجيلات، ولم يطل الأمر حتى تبين أن كل ما يجري ليس أكثر من تمنيات مبالغ فيها لدى بعض النيات الطيبة، فيما بدا أنه محاولة لاستهلاك الوقت والإبقاء على الزخم الإعلامي الذي أصيب بالإحباط كغيره من تواضع الحركة والتثاؤب المضجر.
ثلاثة أيام مرت بساعاتها ولقاءاتها من دون أن يتبين الخيط الأبيض من الأسود، بل ومن دون أن تتضح المواعيد أو جدول الأعمال، وكأن المبعوث الأممي قد تفاجأ بموعد اللقاء، ويحاول أن يعدّ ما تيسر بين يديه من أوراق صالحة للزج بها وسط لغط كبير يدور حول ماهية الأفكار والطروحات التي يريد تقديمها، والتي كانت حتى اللحظة خالية من أي جديد، فيما التمترس خلف القرار الأممي 2254 من دون الأخذ بالتطورات الميدانية والسياسية على مستوى المشهد الدولي تدفع نحو الإحباط بحكم ما ينتج عنها من استطالات مرضية.
وإذا كان من البديهي أن تشكل المرجعيات المعتمدة مؤشراً على مدى المقدرة الدبلوماسية والسياسية التي تستحوذ عليها المنظمة الدولية فإن الأكثر بداهة يتعلق بنوعية المقاربة التي يقدمها المكلف بتمثيل الأمم المتحدة، وهي مقاربة تفتقد للديناميكية المطلوبة، وتفتقر اصلاً للجدية التي بدت حتى اللحظة في موضع اختبار خاسر ظهرت نتائجه منذ الاجتماع الأول أو اللقاء الأول الذي كلف به دي ميستورا قبل بضع سنوات وليس الآن فقط.
غير أن نسبة العجز المتحققة تدفع إلى الجزم بأن ما يجري ليس فقط مداولات في الحد الأدنى، ولا هي في صياغة مصطلحات حمالة أوجه وقابلة للتفسير المزدوج، وإنما في آلية عمل محددة تفتقدها أوراق المشهد الدولي برمته، بدءاً من آليات التفاهم الروسي- الأميركي التي تبدو في أدنى مستوياتها، مروراً بإعادة التعويل على الإرهاب وتنظيماته، وإعادة الدول المشغلة لبناء معادلات توظيفية إضافية للإرهاب، وليس انتهاء بما يتسرب من الجلسات الجانبية التي تحولت إلى مجرد مناسبات للصور التذكارية.
لا نريد أن نستبق ما تبقى من أيام في عمر الجولة الحالية، ولا اتهام أو تبرئة المبعوث الأممي وتباطئه المثير للأعصاب، لكن العنوان الأساسي لا يحتاج لكثير من الجهد لقراءة ما تبقى من مفردات، على مبدأ أن ما عجز المبعوث الأممي عن تحضيره وتجهيزه على مدى الأشهر الماضية لن ينجح به في بضعة أيام، وأن الفشل في توحيد وفد المعارضات على مدى السنوات الماضية لن يكون بالمستطاع أن يتحقق في بضع ساعات، خصوصاً أن الأجندات المحمولة في حقائب وأذهان بعضها تختلف جذريا عن المعطى الواقعي، وهي تدفع بالمزيد من العقبات والعراقيل.
ربما كان من المفيد للمبعوث الأممي وللأمم المتحدة أن تختصر هذه الأيام وأن ترحّل ملفات اللقاء إلى ظروف أفضل أو ريثما تستطيع اختيار من يقوم بالدور بطريقة أفضل، وأن تتفرغ بأجهزتها وجهودها لأولوية مكافحة الإرهاب، وتمنع على الأقل شطط وخيالات الكثيرين ممن وجدوا في جنيف منصة لاستطالاتهم المرضية.. ولأن يعيد النبش في الكثير مما تجاوزه الزمن وبات خارج التداول، أو في الحد الأدنى حتى يستعيد المناخ الدولي زخم تفاؤله وتعود مياه التفاهم الروسي الأميركي إلى مجاريها.
جنيف المتثائب يقابله على الأرض تسخين إرهابي في السياسة والميدان، تتساوى فيه التنظيمات الإرهابية، وداعميها ومشغليها الإقليميين، وهي تجد في هذا التثاؤب فرصة سانحة لإضافة أوراق ضاغطة، لا نعتقد أن أميركا ومن معها بريئين منها، خصوصاً بعد التسريبات المتعمدة عن مقاربة أميركية تعيد تشكيل تحالفاتها وأدواتها على الأرض من حلف «المعتدلين»، الذين يشكلون النواة الصلبة لداعمي الإرهاب، وتكتمل الحلقة بعودة التركي إلى صدارة المشهد جنباً إلى جنب مع الإسرائيلي الذي حانت لحظة ظهوره العلني، وربما الأهم حانت لحظة دوره الوظيفي في تغيير هوية الصراع ليكون الإرهاب مجرد مرحلة فاصلة بين حقبتين..!!
a.ka667@yahoo.com