ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
لم يكفّ المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا عن الرمي بالمزيد من الأحجيات عن دوره، ولم يتوقف عن رسم علامات استفهام عن مهمته الوظيفية، التي باتت عبئاً يثقل كاهل اللقاءات والاجتماعات، التي تقتضي وجود دور له،
وتدفع إلى الجزم أن طبخة الحصى التي يصرُّ على النفخ فيها لن تنضج يوماً، رغم ما يُثار من تكهنات واستنتاجات عن معطيات الأفق السياسي المحكوم بما تملية حالة التجاذب على المشهد الدولي.
فبين أخذ ورد.. وبين نفي وتأكيد.. وبين اتهام ورد اتهام.. وبين لغط وتحريف وتصويب وتجريد تعيد الساعات الفاصلة قبل كل لقاء في جنيف أو غيره إنتاج المشاهد ذاتها من الدربكة التي باتت جزءاً لا يتجزأ من التحضيرات، وربما طقساً لا بد منه، يسبق خروج الدخان، ولو لم يكن أبيض في يوم من الأيام، إيذاناً بفتح بوابات القاعات المعدة، حيث يعيد المبعوث الأممي الإشكاليات ذاتها، ويرسم خريطة من الإحداثيات، التي تعيد بدورها إنتاج «دبكة العميان» من دون أن تشفع له تجاربه المتكررة أو تحول خبراته المتراكمة المفترضة عدم الوقوع في المأزق ذاته.
خلاف في أسماء المشاركين.. وخلط في أجندات اللقاء.. وتسريبات متعمدة وأخرى عفو الخاطر، حراك يمر من هنا، وكثير منه يمر من هناك على قاعدة واحدة، تبدو معياراً نافذاً يصلح ليكون التعبير الموجز عن أداء بات يحتاج إلى الكثير من الحسم في مبررات السكوت عنه، أو في مسوغات البقاء في المكان ذاته، والعودة إلى المربع الأول من جديد تحت العناوين ذاتها ومن دون أي تغيير.
الواضح أن المبعوث الأممي يعيد التعويل على الأوراق ذاتها، ويستخرج من النص الأممي ما يتوهم أنه لا يزال صالحاً للاستخدام والتوظيف الآني والمرحلي، سواء كان اعتقاداً منه أم بحكم ما هو وارد في التعليمات المرسلة إليه، وهي المشكلة التي بدأت منذ أول مهمة كلف بها لإدارة المحادثات، ولا تزال ذاتها بدءاً من غموض في هوية المشاركين وليس انتهاء بتشويش متعمد على أجندات اللقاء.. مروراً بالمتغيرات التي تسبق ربع الساعة الأخير من كل لقاء يجري.
والواقع الفعلي يؤكد هذا المنحى، بحكم أن جنيف التي هي خلاصة تفاهم للإرادات الدولية حتى لو اختلفت الأجندات الفردية فيها، تفتقد في هذه الجولة لذلك التفاهم.. والأهم تغيب عنها الإرادة الجدية في الطرف الآخر، حيث الأميركي يعلن صراحة عدم جاهزيته للمساهمة، فيما أدواته ومرتزقته يتخندقون خلف أجندات، لا تخدم اللقاء ولا تساعد على تذليل العقبات بقدر ما تخلق كماً إضافياً من التراكم الكمي والنوعي، الذي يهدد في كل مرة اللقاء ويعيد ترحيل المواعيد، حتى بات جنيف بلا طعم ولا رائحة ومن دون أي أفق.
وهذا ليس من باب التشاؤم، ولا هو ضرب لأي مساحات من التفاؤل قد تظهر بين الفينة والأخرى، بل محاولة لفهم ما يجري من مداولات تتكرر في كل مرة، ويعاد تظهيرها بالطريقة نفسها وبالمعيار ذاته من دون أي إجراء يحول دون تورمها، بحيث باتت معضلة يزيد الأداء المتعرج والملتوي للمبعوث الأممي صعوبتها، في وقت يفترض دوره أن يكون مسهلاً للقاء وميسراً للحوار، فإذا به يصبح جزءاً من المشكلة أكثر ما هو محفز للحل..!!
الأدهى أن يبقى المبعوث الأممي يدير «دبكة العميان» تلك حتى آخر لحظة ومن دون أن يشعر بالحرج، حيث عواطفه وميوله الشخصية وحالة الدفاع المستميت عن الإرهابيين لسان حاله حتى إشعار آخر، فيما تهديداته ليست أكثر من مادة للاستهلاك الإعلامي سرعان ما يسحبها من التداول، ليبقى السؤال المعلق والدائم: لماذا الإصرار على بقائه؟ وما هي مساحات الانفراج التي يضيفها حضوره؟ ليقف بجوار السؤال الآخر: مَنْ يمثل مَنْ؟ وكيف يمثله ؟!!
جنيف في مأزق.. ليس بفعل العوامل الموضوعية التي يقرّ الجميع بوجودها فقط، بل أيضاً بفعل عوامل ذاتية ناتجة في جزء كبير منها عن اللغو والثرثرة التي يحلو للمبعوث الأممي أن يطوف في جوارها، وأن يسبِّح بحمد معارضات فقدت معناها واسمها، أو مع معارضين نفى أغلبهم صلته بالاسم واكتفى بالدور الذي ترسمه -حتى اللحظة- شيكات التمويل وتصدق عليه الدول المشغلة للإرهاب حتى إشعار آخر، وإن كانت فسحة الأمل الخجولة مجردة من أي معنى إلا لتوثيق عداد الأرقام في جنيف الرابع وما سيليه من «جنيفات» وما يلحق بها.
a.ka667@yahoo.com