ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحريرعلـي قـاسـم :
يتجاوز الخلاف السعودي القطري حدود التناحر بين المشيخات، ويتخطى سقف اعتباره صراعاً بينياً على الدور الوظيفي، ويصل عتبة ملامسة الصدع الفعلي في المنظومة الخليجية وما بني عليها على مدى عقود خلت،
حيث كانت جزءاً لا يتجزأ من المنظومات الرديفة أو البديلة في المنطقة، والتي تم ترتيب العلاقات مع العالم في جزء كبير منها على حسابات ومعادلات صاغتها إلى حد كبير تأثيرات وتجاذبات العلاقة مع المنظومة الخليجية.
ما تفرضه المعادلة الناشئة بإحداثياتها السياسية وتداعياتها الجغرافية زمانياً ومكانياً، يترك مساحات بينية للعلاقات الدولية التي تنزاح بشكل تلقائي إلى الابتعاد عن الاصطفاف السياسي ولو كان بشكل غير مباشر حتى الآن على الأقل، وإن كانت في نهاية المطاف ستجد نفسها أمام فالق في العلاقات الخليجية يضع حداً فاصلاً يصعب على أي منظومة أخرى أو دولة أن تتجاهل وجوده، رغم المحاولات العبثية التي تجري هنا وهناك للإمساك بالعصا من منتصفها، أو للإبقاء على الخيوط المتبقية رغم الإدراك بأنها باتت متهتكة وواهية وقابلة للانقطاع الكلي أو الجزئي في أي لحظة.
وبغض النظر عن الجهود والوساطات الكثيرة سواء التي جاءت من باب التباكي على المنظومة رغم ما فرضته من واقع مزر على علاقات المنطقة باعتباره يحاكي جزءاً من أدوار المشيخات الوظيفية المعرضة للتلاشي والانكماش، أم كانت من دول عرضت التوسط من باب درء الخطر الناتج عن ارتدادات الفالق، وصعوبة إعادة ترتيب العلاقات الدولية على جانبي الصدع المتشكل، فإن المحسوم حتى اللحظة أن الصدع حصل وأي رأب له لن يكون أكثر من ترقيع سياسي وإعلامي مكتوب عليه الفشل مسبقاً، بدليل أن الاستجداء القطري للمصالحة لم يجد له مدخلاً إلى بساط الحلبة الخليجية، في وقت كانت فيه أميركا تعيد إنتاج الأزمة بطريقتها، لتكون قادرة على إدارة نواتج الخراب والدمار الذي سيعم، والتحكم تالياً بمخرجات التشظي الخليجي وما ينتج عنه من تموضع واصطفاف على جانبيه.
الأدهى أن المشيخات وحكامها أو من يتحكم فيها كان الأسرع في الأخذ بهذه النتيجة وصولاً إلى العمل بمقتضاها، حتى فيما يتعلق بالعوادم السياسية التي باتت مجردة من أي تأثير في حدود المشهد السياسي وما يفرضه، بل بعضهم بات ينظر إلى المنظومة على أنها إرث مكروه لا طائل من إعادة النفخ في قربته التي اهترأت وتحولت إلى أثر بعد عين خلال أيام، وأن بضعة أسابيع أو أشهر وحتى سنوات لن تشهد نهاية للخلاف بقدر ما ستؤسس لمرحلة يكون فيه الصدع الخليجي قد اكتملت مؤشراته الحسية والمادية على الأرض كما هي في الاستخدام السياسي.
الأخطر.. هو اليقين المرتفع لدى أغلبية المشيخات بأن ما ظهر ليس سوى جزء متواضع من رأس جبل الجليد، وأن التفاعلات المضمرة أبعد بكثير مما ظهر، ولا تشكل في نهاية المطاف كل مخرجات الانكسار المتوقع في الدور الوظيفي، في ظل فائض من التحدي الوجودي، حيث الصدع هنا لم يعد سياسياً أو جغرافياً، بل بات جزءاً من التداعيات الناتجة عن فقدان الأهلية الوظيفية القائمة على حسابات خاطئة وإنتاج معادلات لا تصلح في عالم يعيد إنتاج علاقاته، وقد أسقط من اعتباراته الوجود المعتاد لتلك المنظومة، وبدأ يأخذ سياقاً زمنياً لوجود خليجي يتآكل، مدفوعاً بحالة التورم السعودي البادية للعين بشكل صريح وواضح، والاستطالات المرضية التي تواجهها الإمارات بدورها وموقعها، والانكماش المقابل للمشيخة القطرية التي تحاول أن تبحث عن عوامل خارجية تطيل أمد وجودها السياسي بعد أن شارف حضورها الوظيفي على نهاياته.
الصدع المتشكل على وقع ارتدادات سياسية تعيد تشكيل المحاور الوظيفية وما تنتجه من عوامل صراع بينية على زعامة المنظومة الإرهابية بإرثها الوهابي أو الإخواني، يفتح الباب على التشظي في الوجود، حيث المعادلة الأميركية تذهب باتجاه الإبقاء على بؤر الصراع، وتؤمن ما يكفي من رمق سياسي لحماية المشيخات المتشكلة أو القائمة من مشاهد الفناء السياسي والجغرافي، حيث المسألة ستأخذ حيزاً زمنياً يتسق إلى حد بعيد مع الزمن الذي يستغرقه تبلور نظام عالمي لا يعترف بالأحادية الأميركية ويفرض إحداثيات العالم المتعدد الأقطاب.
وحتى ذلك الحين سيبقى الصدع الخليجي قائماً على معايير لا يحكمها منطق الجغرافيا وحده، ولا يضبطها عرف التاريخ ومعادلاته فقط، بل يخضع بشكل كلي لأهواء وسيناريوهات تقتضيها إدارة الخراب والدمار، حيث أميركا المتأهبة لقيادة الصراع ليست في عجلة من أمرها لوأد نار التناحر، ولا هي متضررة من الشرر المتطاير داخل المنطقة ولا حتى خارجها، ما دامت ممسكة بخيوط الصدع الخليجي وظيفياً ووجودياً وإدارته بتفويض مسبق من المشيخات وبتواطؤ معلن ومشهر على رؤوس الأشهاد.
a.ka667@yahoo.com