ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير: علـي قـاسـم
يحاكي المشهد السياسي في مؤشراته الأولى عملية تحول بصيغ أقرب إلى التسليم بما أنتجته المعطيات الميدانية، خصوصاً في ظل القمة السورية الروسية وما رسمته من تقاطعات يصعب على أقصى الخيارات تجاهلها،
أو تجاوز مفرداتها بصيغها المختلفة، والتي تلزم في الحد الأدنى إعادة مراجعة كلية لمختلف المواقف والتقييمات، سواء كانت العابرة والمرحلية، أم تلك التي تستجمع عوامل ومقومات الاستراتيجيا.
فالقمة وإن كانت تستحضر مفردات وصيغاً واضحة الأبعاد، فإن الكثير مما يساق في قراءة التداعيات أميركياً، يستدعي بلورته في رؤى ومحددات مجردة، وإن بدت بعضها ذات صبغة عدائية تستهدف حدثاً بحد ذاته أو موقفاً بعينه، فمن الواضح أن في جعبتها الكثير مما هو للقادم، وإن بدت أقرب في تعاطيها مع ما مضى ولا تزال معلقة فيه، حيث الفارق بين ما يجري وما تحاول واشنطن اللحاق به، أن الكثير من القراءة التفصيلية لكل ما جرى، محاولة جادة لمقاربة واقعية للخطوات والإنجازات التي تحققت ميدانياً، وآلية ترجمتها سياسياً.
غير أن الأهم يبقى في الكثير مما قدمته وتقدمه للواقع بمرتكزاته الأساسية، حيث لا يكفي معها الحديث عما تم، بل يستلزم ضرورة النقاش حول محددات مرحلية وبعيدة المدى للخطوات القادمة بعموميتها، من حيث الوجهة السياسية والمعالجات الفورية لكل ما تطرحه المرحلة القادمة من تحديات، وما تتطلبه من أدوات، باعتبارها الكتلة الصلبة لمعالم المرحلة بكل ما فيها.
وبالقياس لم تكن القمة عبوراً عادياً على مجريات التطورات وجردة حساب سياسية لكل ما أنتجته المشاركة الروسية الفاعلة ومقدراتها والكفاءة التي أبدتها، بل هي سياق يتقاطع مع ملامح المرحلة القادمة، بحيث لا تترك مجالاً للمصادفة، ولا تفتح باباً للتأويل من دون تأمين قدر كافٍ من الخيارات البديلة التي تتوافق مع الوقائع وقرائنها.
فالمعطيات تترابط بشكل جدلي في علاقة تكاملية، جوهرها وأساسها التناغم في مكونات المرحلة سياسياً، وصولاً إلى استنباط أشكال أكثر فاعلية، باعتبار أن جنيف الحائر لم يشكل ملاذاً حتمياً يمكن التعويل عليه، ويعاني من عيوب بنيوية واضحة وعلنية ومعترف بها، ولم يعد في المدى المنظور بالأهلية ذاتها التي كان يمتلكها، ويضاف إليه ما تم تجاوزه في سياق التطورات والأحداث بحكم انتهاء الفعالية السياسية لكثير من العوامل، وضعف المدخلات التي كانت تراهن عليها منظومة العدوان، والتي تستلزم مخرجاتها ضرورة المراجعة، لأن ناتج المدخلات الأميركية الجاهزة للعملية السياسية التي كان جنيف يستظل في هوامشها فقدت مبررات وصلاحيات وجودها.
وعلى هذا الأساس، فإن ما تحقق من وضع لبنات وخطوات ومعالم وملامح المرحلة المقبلة، بكل ما فيها من ضرورات تحتاج إلى مقاربة فعلية لإنقاذ العملية السياسية من جنيف ذاته ومن العبث الأميركي ومقارباته الجارفة التي تحاول أن تمارس شدها العكسي، إذ لا يخفى على أحد أن مخرجات العمل الميداني وحسم المعركة مع الإرهاب وأدواته تستلزم محاكاة واقعية لا تكون فيها مخلفات الماضي وتراكماته والكثير من ترهاتها حاضرة في سياق الحديث السياسي عن البدائل، وفي بعض القراءات هناك من يطالب بإقصاء كلي لا يلغي حوامله الطبيعية.
الفارق الإضافي أن تحبير الإحداثيات لم تعد تحدده صياغات سياسية، بل وقائع كان حاملها الأساسي الميدان، وما تبقى يخلص إلى الاستنتاجات ذاتها ، ومفادها أن القادم لابد أن يختلف بحكم التطور الطبيعي للأحداث، وإن جاء بفواصل زمنية أكبر من المعتاد، فالمعيار هنا أن التوقيت جاء ملازماً للوقائع، ومن لونها وشكلها، ومن المعيار السياسي الحازم نفسه، ومن الإرادة السياسية التي دحرت الإرهاب ومن يدعمه وأسست لهزيمة من يعول عليه.
a.ka667@yahoo.com