ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم : ينفض لقاء جنيف عن عاتقه عبء الاحتمالات، وقد سبقته هذه المتاهة التي رسمتها غرائبية التصريحات العاصفة للمبعوث الأممي وهو يميط اللثام عن تمترسه في الخندق الآخر،
فيهوي ومعه حياده وخبرته وتاريخه الدبلوماسي في سباق التصفية النهائية للمواقف، لكن في الوقت ذاته، تنتصب على هوامشه، كما في أولوياته، مهمة إعادة تحديد البديهيات.
في لغة السياسة والدبلوماسية يتهيأ اللقاء ليكون فاصلاً ليس في الاتجاهات، بقدر ما يتعلق في الأسس والقواعد التي تحكم لعبة التسويات الكبرى، وربما المفصلية في العلاقات الدولية، لكن في لغة الممكن والمتاح قد يكون غير ذلك، بحكم أن متاعب التوقيت ومزاج الإدارة الأميركية الذي لم يستقر بعد، سيجعلان من الصعوبة بمكان تخيّل إمكانية وضع معايير سياسية لعهد جديد يستعيد جذور ومحددات ومبادئ القانون الدولي مع مسحة إضافية من التوجهات الأخلاقية التي غابت لعقود خلت.
الأجواء التي سبقت اللقاء لا توحي بجاهزية الأميركي وقد أخذت معها المبعوث الأممي بعد تصريحاته الأخيرة، والمناخ السياسي ينحو بالاتجاه نفسه على نسق مبالغ به لجهة غياب الجدية الأميركية وافتضاح دور الإبراهيمي على نحو دراماتيكي.
يستطيع الكثيرون أن يفترضوا ما يشاؤون بلغة السياسة ومفردات الدبلوماسية، ويحكمون الحصار على اللقاء بكم غير متناه من التسريبات المصنّعة خصيصاً، في استباق للرسائل التي تمخضت عنه، رغم ما كانت تحمله من قصف تمهيدي سبق بدء المواجهة داخل القاعة.
لكن في المعايير والمبادئ يبدو محكوماً بنظم التوازنات الجديدة، وهو ما يدفع إلى الجزم بأن الإبراهيمي -على سبيل المثال – سجل آخر حضور له في المنتجع السويسري، بحكم أنه أخرج آخر أوراقه المخبأة في اختبار الإرادات الدولية التي شهدت وتشهد جولاتها الفاصلة، وأبدى رغبته في البقاء داخل المركب الأميركي، رغم ما تحمله صورة الدبلوماسية الأميركية بحلتها الجديدة من متغيرات، سيكون دور الإبراهيمي وبقاؤه أولى اختباراتها الصعبة.
على المقلب الآخر كانت علامات الاستفهام العديدة التي ارتسمت حول الأدوار المعطاة للمبعوث الأممي قد لاقت بعض إجاباتها المؤجلة منذ حين، وخصوصاً عندما أفصح ما في ذاته، رغم تبرمه الطويل وتهربه من تحديد اتجاهه على أمل أن يتكفل الوقت بالإجابات تلك، غير أن ما تبرزه التطورات يوحي بأنه لن يطول المطاف حتى تتكشف بقية الإجابات التي تكفلت بها الانطباعات الأولية الخارجة للتو من جنيف، وهو ما يمكن البناء عليه لاحقاً.
فالمسألة في جوهرها أن صلاحية استخدام المبعوث الدولي شارفت على النهاية، وقد عجّل فيها بتسرعه على نحو غير متوقع، رغم يقين الغالبية العظمى من المراقبين بأن هذه الصلاحية قد مددت أكثر من مرة.
والقضية ليست في تكرار التجارب بقدر ما تعكسه من تداعيات في سياق ترجمة حرفية لمزاج الدبلوماسية الأميركية بحلتها القديمة، التي تريد ان ترمي آخر أحجارها في ملعب القادمين الجدد، لتعيد خلط الحسابات ووضع العصي في عجلات الاحتمالات والإبقاء على المشهد بما يحول دون حدوث الانقلاب الدبلوماسي على نحو فاضح.
البيان الروسي الذي استبق لقاء جنيف كان رسالة بمضامين واتجاهات متعددة المستويات فوضعت حداً لتكهنات سبقته، وقد رد بوضوح على رسائل الأميركيين المسبقة التي حملتها تقولات الإبراهيمي كدليل قاطع على استمرار التخندق الأميركي خلف إرهاصات إرثها القديم.
ما يهم أن لقاء جنيف استعاض عن الكثير من الافتراضات التي سبقته وأبقى في الوقت ذاته على المتاح والممكن، ريثما تستقر الدبلوماسية الأميركية على قرارها سواء أبقت على الإبراهيمي كمندوب لها وللأطراف التي تمثلها، أم أنها ستعجّل في منحه مكافأة نهاية الخدمة لبضعة أيام في تجوال إضافي يفرغ خلالها ما عجز عن نطقه خلال الأشهر الماضية.
وحين ينطق اللقاء بالعودة إلى البديهيات فمن الطبيعي أن نرى الصورة المقابلة التي تريد ان تتهيأ لمرحلة ما بعد البديهيات والمسلمات وتحديد الأولويات، بانتظار تفصيل ما جمعته حقائب الموفدين الجدد في قائمة الاحتياط الأميركي، حين يهم بالخروج من تخندق أفقده سماته ودوره وأضاع فيه الأميركي بوصلة هويته الجديدة في عالم يتهيأ لوداع أحاديته القطبية .
a.ka667@yahoo.com