ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
لم تكن زيارة الغوطة بحاجة إلى شروحات إضافية، فقد أسهبت في شرح أدق التفاصيل، ولم تكن بحاجة إلى قراءات نوعية، فقد فرضت محدداتها وأعطت للعناوين أبعاداً مفصلية
يصعب على أي شرح أو توضيح أو قراءة أن توصل ما أوصلته بهذه البلاغة، وهي التي امتلكت فائضاً من الأوراق السياسية والعسكرية والشعبية، وفي كثير من التفاصيل كانت تعطي دلالات ذات بعد اجتماعي يغوص إلى عمق الوجدان السوري.
لكن في السياسة والإعلام.. ثمة ما يستدعي التوقف عند منعطفات كانت وليدة اللحظة الفارقة بين مشهدين، وأحياناً بين زمنين، والأهم بين مشروعين، حيث تتضح عوامل المواجهة ومعطياتها كما لم تكن يوماً، وترسم خطوط التقاطع والتنافر على نحو يزيد من عمق الدلالة الإستراتيجية، ليصبح الحدث بحد ذاته أكثر اتساعاً من الاستدلالات المباشرة، وينطوي في النهاية على رسالة متعددة الأبعاد تحدد إحداثيات المشهد ببعده الزماني والمكاني، وترسم محددات المواجهة القائمة على ضفتين متباعدتين، وتوصلان إلى الحصيلة التي تشرعن الحديث عن مسار العلاقات الدولية باعتباره بوابة لتموضعات في السياسة لا يمكن تغييب عامل الإرهاب كحد فاصل بين المشروعين.
فالمسألة أبعد من اصطفافات آنية تغلب عليها صفة التحول الدراماتيكي نتيجة المعادلات المفاجئة، سواء ما تعلق منها بالمقاربات السياسية أم ارتبط بالمتغيرات الميدانية، التي شكلت رافعة بنت عليها سورية ومحور محاربة الإرهاب جملة من الحسابات التي فرضت وجودها السياسي والميداني، حيث الفشل في تجيير مجلس الأمن وإلغاء الجلسة التي كانت مقررة في سياق المحاولات الغربية المحمومة تشكل بداية انعطافة سياسية مهمة، باعتبارها نقلة نوعية في المواجهة ستنسحب باتجاه تعديل في موازين القوى سياسياً، داخل قاعات مجلس الأمن والمنظمات الدولية عموماً، وبالتأكيد خارجه.
فزيارة الغوطة في توقيتها مثلت في جوهرها سلسلة من الانعطافات الكبرى على المستوى الإقليمي والدولي ميدانياً وسياسياً لتثبيت الإحداثيات الجديدة على الخريطة السياسية العالمية، وترسيخ النقاط على مستوى المواجهة العسكرية مع التنظيمات الإرهابية وملحقاتها وداعميها والمنظومة التي تراهن عليها، وإن كانت في سياق آخر قد تجلت وتجسدت في الحرب المفتوحة التي تشهرها وتعلنها أميركا ومن دون مواربة، باعتبار أن التهويل بالاستعداد لشن عدوان مباشر سواء جاء أميركياً مباشراً أم كان توكيلاً من خلال إسرائيل وداعمي الإرهاب الإقليميين، تلميحاً أو تصريحاً يأخذ منحى المشاهدة العينية والحسيّة لمآلات الغضب الأميركي من تحسن الأوضاع في سورية وفق التوصيف الروسي الذي جاء دبلوماسياً خالصاً، وإن كان يعني مباشرة ردة فعل من قبل منظومة دعم الإرهاب على هزائم التنظيمات الإرهابية في الغوطة الشرقية وغيرها.
وتجسدت الانعطافة الثانية في الانتقال من المسرح الإقليمي بتموضعاته الطبيعية إلى المستوى الدولي بإرهاصاته الناتجة عن الحسابات التي تجريها الدويلات الوظيفية، التي اعتاشت على هوامش حقبة الهيمنة الأميركية، ولحقت بها مجموعة كبرى من الدول الإقليمية والاستعمارية التي ارتضت أن تكون في هذا الموقع لاعتبارات تتعلق بتحالفات حقبة الحرب الباردة وما نتج عنها، وكانت خلاصاتها النهائية توصل إلى وجوب إعادة النظر بالاصطفافات اللاحقة، من حيث الاتجاه والدور وصولاً إلى تغيير في الإيقاع ليتناغم مع ضرورات الانتظار حتى تنكشف ألوان الخيوط البيضاء الواضحة والسوداء الكالحة.
الانعطافة الثالثة تولدت من خلال الفرق القائم في المقاربات السياسية والميدانية لجولات الصراع والمعارك الدائرة، حيث كان ينحو باتجاه تصليب نقاط الاختلاف والخلاف وتناقضاتها وتحديد الفوارق، باعتباره ترجمة للانعطافة في منحى مواز لا يقف عند حدود المفاجأة الميدانية رغم حساباتها الكثيرة، بل يشمل المفاجأة الشعبية وسلسلة المشاهد التي تلقفتها كحالة وطنية لا يمكن تجاهلها أو القفز خارج محدداتها الفعلية، خصوصاً أنها تمثل حداً أعلى من التفاعل الشعبي مع ما يعنيه وجود القائد بين صفوف مقاتليه كإيجاز تعبيري مثّل أعلى معايير اللوحة الوطنية الجامعة.
اللافت أن دور وتأثير الصيغ التفاعلية بدوائرها المترابطة والمتلاصقة لن يقف عند عتبة ما يحدث، سواء كان في الميدان أم في السياسة لاعتبارات تتعلق بالإضافات النوعية المستقبلية التي كانت تتراكم طوال السنوات الماضية، فكانت الغوطة تتحول في العرف السياسي والميداني إلى نقطة تحول في المشهد وإحداثياته تدشن من خلالها الانعطافة الكبرى المنتظرة.. سياسياً وميدانياً.. إقليمياً ودولياً في محطة أولى ستتبعها بالضرورة متغيرات في الحسابات وفروقها، وفي المعادلات وقواعد الاشتباك الناظمة لها تمهيداً لمواجهات قد تكون أشمل وأكثر اتساعاً.
a.ka667@yahoo.com