ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
تفرض التموضعات المستجدة في العلاقات الدولية موقعها داخل التجاذبات الحاصلة، والتي بنت لبنة قاعدتها الأولى على تطورات المشهد الإقليمي مع تصاعد مؤشرات الإفلاس الغربي في حربه الإرهابية التي تشن على سورية،
بالتوازي مع الخيبات الصادمة التي ترددت إقليمياً على شكل اهتزازات توزعت معها احتمالاتها المختلفة وأهدافها المعلنة أو المضمرة، التي حاكت في صيغتها الأولى لب المعضلة، حيث إن القضية ليست هناك.. ولا هي في الجبهات الجديدة، بقدر ما هي العقل الذرائعي الغربي الذي يبحث عن تبرير الفشل الذي يلاحق مشاريع الغرب الاستعماري.
شرارة الحرب الدبلوماسية الأوروبية الأميركية المعلنة ضد روسيا على خلفية قضية العميل سكريبال أطلقت العنان لافتراضات تجاوزت السياق السياسي لقضية لا تزال موضع شك كبير، سواء لجهة ضعف فرضية الاتهامات البريطانية التي بدت متسرعة وغير مقنعة حتى للأوروبيين، أم فيما يتعلق بالاكتشافات الجديدة التي توجه أصابع الاتهام للحكومة البريطانية، بحكم أن الغاز المستخدم يُنتَج فقط في المخابر البريطانية والأميركية، حسب آخر التسريبات، إضافة إلى ما أثارته في توقيتها وتسلسل تزامنها مع الأجواء التي بدت أكثر تشنجاً من الإيحاءات التي سبقتها، والتي تشي في سياق إضافي إلى نيات تتجاوز حدود الانتقام الغربي من داخل مشهد العلاقات الدولية وما يحيط بها، وصولاً إلى المحاصصات الإضافية لتوازع مراكز النفوذ على الخريطة العالمية.
اللافت أن التحرك الجماعي الذي بدا محرجاً لبعض الأوروبيين -على الأقل في سياق الخطوات المتخذة- فإنه على الضفة المقابلة كان فرصة لصب الزيت على نار واقع لا علاقة له بالسبب الحقيقي الذي بدا في آخر لائحة الموجبات التي تستدعي مثل هذا الإجراء، لأن الكثير مما أحاط ويحيط بالقضية اتخذ أبعاداً مبالغاً فيها، وفي كثير من الأحيان كان مدعاة للتساؤل عن خلفية هذا التسارع في إعلان الحرب الدبلوماسية بهذا الشكل المثير للارتياب.
على أن المسألة يمكن فهمها إذا ما وضعت في سياق المشهد الذي تمر به العلاقات الدولية، والتغييرات التي تشهدها إدارة الرئيس ترامب، التي قاربت من خلالها فرضية الاتجاه نحو حروب متعددة الأشكال، لن تكون الدبلوماسية الجبهة الوحيدة المفتوحة بل توازيها في سخونتها جبهات أخرى مفتوحة على مصراعيها في استهداف روسيا، والمحاولات الواضحة لرفع سقف التحدي.. وصولاً إلى أركان الحرب الجدد القادمين إلى الكراسي الأولى داخل إدارة الرئيس ترامب، مع ما تثيره من مشاهد إضافية قابلة للترجمة في سياق مواجهة أوسع من حدود التأزم الدبلوماسي وما تحمله من تداعيات.
فتعيين جون بولتون مستشاراً للأمن القومي الأميركي يُرخي بظلاله الثقيلة على اتجاهات السياسة الأميركية، في مرحلة أخطر ما فيها الاشتباك الحاصل في الأولويات الذي يحيط بالخيارات الأميركية المفتوحة، والتي تتناوب فيها الاحتمالات من أقصى حدود التشاؤم إلى أقصى درجات التخوف، في وقت أيقظت فيه هذه العودة هواجس الحلفاء والأصدقاء قبل الخصوم و الأعداء، وإن كانت محاولات التسخين السياسي وغير السياسي المحيطة بالقرار البريطاني والأوروبي في العموم جزءاً من تراتبية المشهد وحلقة من حلقات التصدعات القادمة .
التغييرات التي بدأت عملياً بوزارة الخارجية تشي بأن التباساً حصل في المقاربات الأميركية، ويتوسع هامش الافتراضات على نحو يتزايد مع كل تغيير يطول الإدارة الأميركية، خصوصاً أن جميع هذه التغييرات تجنح باتجاه التشدد، وهي محكومة بسجل متخم يفيض عن الحاجة لمعظم القادمين الجدد، الذين كان لهم باع طويل ودور مؤثر في التشدد الذي طغى على أداء السياسية الأميركية، لكن كل التغييرات جاءت في كفة وجون بولتون في الكفة الأخرى،على خلفية إشكالية وجوده في الأمم المتحدة وما أثاره حينها من مواقف اقتضت النظر إلى المسألة من زاوية الاحتمالات القابلة للتأويل باتجاهات أكثر تعبيراً عن منحى التوجهات الأميركية القادمة.
قد لا يكون الرابط بين التغييرات الأميركية والتصعيد في الإجراءات البريطانية والانسياق الأوروبي معها مباشراً، ويفترض احتمالات أخرى كثيرة، لكنه في نهاية المطاف سيستخدم في هذا الاتجاه، وسيتم الأخذ به من خلال الاتكاء عليه لتسويغ التصعيد في جبهات أخرى من العالم، وليس ما يجري في المنطقة خارج تلك الحسابات، حيث تفتح جبهة جديدة لتصفية الحساب مع روسيا من بوابة الكذبة البريطانية التي قد تتحول تاريخياً إلى أحد أسباب المواجهة العالمية على سخافة ما تثيره، وعلى قدر ما يتضمنه الاتهام البريطاني من سماجة غير مسبوقة في العصر الحالي.
a.ka667@yahoo.com