ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير:علي قاسم
يراكم ثالوث التطبيع الأعرابي من موبقاته بحق الأمة وحقوقها وتاريخها ووجودها، حيث استهداف المقاومة يثبت من جديد أن قرار الرئيس ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة لم يكن مجرد خطوة عدوانية تصعيدية، بل محاولة لرسم معالم مرحلة جديدة من التحالفات والتموضعات،
وصولاً إلى إيجاد اصطفافات جديدة على مستوى المنطقة وإن اقتضت الضرورة في نهاية المطاف أن تأخذ أبعاداً دولية واضحة في سياق فهم ملامح تلك المرحلة وتداعياتها على الخريطة السياسية للمنطقة بدءاً من دور الثالوث الأعرابي ومهمته الوظيفية بنسختها المطورة، وليس انتهاء بمشهد العدوانية الإسرائيلية، مروراً بما تشهده الأرض الفلسطينية المحتلة من مجازر تجاوزت كل ما سبقها.
في المحاولة الإسرائيلية كان القرار متخذاً على المستوى السياسي والأمني والعسكري بإسكات ردة الفعل الفلسطينية بالنار ، بينما اقتضت مواقف الثالوث الأعرابي التحرك أبعد من ردة الفعل المتوقعة في سياق قراءة الاحتمالات المنتظرة، وما تقتضيه من تطبيع عملي تجاوز ما كان معمولاً به، حيث برزت على السطح مجموعة شواهد دالة على إبداء حفاوة في التعاطي العلني مع إسرائيل، وتقديم خدمات مجانية للتجني على المقاومة ودورها.
عند هذه النقطة كانت التسريبات الأميركية قد سبقت تلك الإشارات والرسائل المتبادلة بين إسرائيل والثالوث التطبيعي من خلال ما سمي اصطلاحاً ضمانات قدمتها كل من السعودية والإمارات والبحرين بوقف أي ردة فعل عند مستوى معين تم الاتفاق عليه مع الإدارة الأميركية مع تحضير روزنامة من الاستحقاقات الإقليمية بطورها المحدث.
وهناك بعض التلميحات التي تشير إلى أنها كانت من ضمن اللوائح التي تم التوقيع عليها في زيارة ابن سلمان إلى واشنطن، التي أدرجت ضمن الاشتراطات الأميركية سياسياً للكف عن ملاحقة السعودية على دورها في أحداث الحادي عشر من أيلول، وخلفيات دور السعودية في تفشي الإرهاب.
الأخطر هو ما يدرج في سياق تفاهمات أجرتها إسرائيل مسبقاً مع المشيخات الثلاث على التنسيق في الحملة المنظمة التي قادت إلى خروج أميركا من الاتفاق النووي عبر قرار لترامب كان الأكثر رعونة والأشد خطورة على وضع المنطقة لتتوجها بخطوة اتهام المقاومة بالإرهاب الذي كانت فيه المشيخات ومعها إسرائيل أصل أي إرهاب في الماضي والحاضر والمستقبل، باعتباره استكمالاً لمشهد التصعيد وقصفاً تمهيدياً لتهويد القضية الفلسطينية، وليس القدس وحدها، حيث تم تركيب معادلات سياسية تقوم على توظيف فائض الهيمنة الأميركية، وحالة الاستلاب لتوجيه الأنظار، وخلق حالة انقسام عالمي تتيح للأميركي تنفيذ قراره الأحمق.
ولكن حسابات الثالوث التطبيعي، لم تتفق مع بيدر التطورات وما تلاها، حيث وجه الفلسطينيون رداً عاصفاً تجاوز ما كان مخططاً له، فكانت الخطوة العدائية تجاه المقاومة اللبنانية التي تم الترويج لها على مدى أسابيع خلت خصوصاً بعد المفاجأة المدوية التي دفعت إسرائيل للعودة إلى حالة العزلة، ولم تنفع ضمانات المشيخات الثلاث في حماية إسرائيل من التداعيات العاصفة، والتي أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة وأعادت الأمور إلى المربع الأول، وربما في بعض التفاصيل إلى ما قبله.
وإذا ما أضيفت إلى كل ذلك المواقف الأوروبية الرافضة للقرار الأميركي حول القدس، كما رفضت من قبله الانسحاب من الاتفاق النووي، تبدو المسألة أبعد من اختلاف أو خلاف، وأكثر من افتراق سياسي في لحظة لا تستطيع المنظومة الغربية أن تحتفظ بتلك الكتلة الصلبة، التي مارست من خلالها عملية الهيمنة وفرضت حالة الاستلاب.
ولكن المعضلة تبقى في سياق الدور الوظيفي الخطير لثالوث “القبح” الأعرابي، الذي يقود من خلالها مشاهد اصطفاف سياسي يحاول أن يمارس أقصى مدى لدورها الوظيفي وأكثرها قذارة على مدى التاريخ من خلال مشاهد الضغط الاستباقي، والذي وصل في بعض مراحله إلى حد الصفاقة السياسية الموصوفة، وهذا ما يفتح المجال واسعاً أمام حركة تبدل واضحة في التموضعات الجديدة، باعتبار أن العدوان الإسرائيلي الهمجي والقرار الأميركي الأرعن مقدمة لقرار ثالوث التطبيع باستهداف المقاومة، مما يفتح المنطقة على بوابة من الجحيم، خصوصاً بعد أن وصل مشروعهم الإرهابي إلى طريق مسدود يؤشر من خلاله إلى مرحلة إفلاس سياسي، وإن كانت هي الأخطر في كل ما ينتظر المنطقة.