ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير- علي قاسم:
تتباين ألوان الخطوط المرسومة على جبهات المواجهة بين مشروع الإرهاب برعاته ومشغليه، ومشروع مقاومة الإرهاب بامتداداته الاقليمية والدولية، حيث يفتقد أغلبها للمساحات الفاصلة، ومعها تبدو ألوان الخطوط الحمر مجرد فواصل وهمية لا يمكن اعتمادها، ولا الأخذ بها في سياق الفهم المتبادل للمعادلات التي ترسمها خطوط النار،
أكثر مما تحددها مقتضيات السياسة، وخصوصاً مع الانهيار الواضح لصيغ التفاهمات التي بنت اعتباراتها وفق حسابات أبطلتها مواجهات الميدان.
فالخطوط الحمر الأميركية لم تعد أكثر من مرتسمات ورقية أقرب إلى الدعائية في حسابات تجاوزتها إلى حدٍّ بعيد التطورات والأحداث، وباتت في جزء كبير منها خلف سياق أي مقاربة بحكم المتغيرات العاصفة، وتحديداً في الأسابيع والأشهر الأخيرة، حيث انهار الكثير من الحواجز النفسية واللوجستية، وباتت جميع الاحتمالات مفتوحة ومطروحة على الطاولة، لأن المواجهة وصلت إلى سقوف لم يعد من الممكن التعاطي معها وفق معادلات تقليدية، وباتت أمام قواعد اشتباك جديدة، لا تشبه التي كانت قائمة، في ظل تصدُّع المشروع الإرهابي، وتراجع فرص الاستثمار فيه، وافتقاده للكثير من الذرائع التي كانت تحكم آليات عمله، وافتقاد أدواته للبدائل في المواجهة الميدانية، وانكسار حاد في الآفاق التي رسمتها الدوائر الغربية!!.
غير أنّ ذلك لا يعني التسليم بالنهايات أو بالحصيلة التي برزت كنتيجة للمواجهة الساخنة على أكثر من محور، وخصوصاً مع الإصرار على الاجترار في الصيغ القائمة على حسابات الاستثمار في الإرهاب ومفاعيله رغم الإدراك المسبق بأنه بات استثماراً خاسراً على الأقل في معادلاته الحالية، وهو ما يدفع إلى الجزم بأن المسألة لا ترتبط بسياق الربح والخسارة بقدر ما تتعلق بغياب البدائل الناتجة عن انسداد الأفق أمام المشروع الإرهابي، وهو ما يفسر الانزياح التلقائي باتجاه استبدال الوكيل بالأصيل في الاعتداءات الأخيرة، بدءاً من الأميركي، وليس انتهاءً بالإسرائيلي، مروراً بطبيعة الحال بالفرنسي والبريطاني كداعمين للمشروع الإرهابي ورعاة أصيلين، بينما الأدوات انشغلت في أدوارها الوظيفية المستجدة.
من هنا بدت المفاعيل السياسية محكومة بسياق البحث عن خطوط حمر جديدة، كان آخرها ما يتعلق بمناطق خفض التوتر، وتحديداً ما ارتبط منها بالمنطقة الجنوبية، حيث إسرائيل حاضرة، وتتماشى معها إلى حدٍّ بعيد هواجس ومخاوف أردنية، وضعت نفسها في الصف الأميركي، ومعه في الجبهة ذاتها لاعتبارات تتفاوت في حدة تأزّمها الناتجة عن الأخطاء المباشرة في تفسير المقاربات الأميركية والانخراط الأردني في المشروع الإرهابي من بوابة غرف الاستخبارات الغربية، وصعوبة الفرز بين التكتيكي والإستراتيجي على المستوى البعيد، ما أضاف إلى تلك الهواجس مسلمات حملت بوادر تأزّم أضاع على الأردن الرسمي ممرات الخروج الآمن، وفوّت عليه فرص عدم الخضوع لابتزاز مشيخات الخليج وتأمين وضعه الداخلي من الاهتزاز.
الاستنفار الأميركي والتحشيد الإسرائيلي يحاولان إعادة الأمور إلى المربع الأول، من خلال صياغات وتشكيل الخطوط الحمر والرايات السود وفق حسابات لم تعد صالحة للاستخدام، بدليل أن تلك الألوان، وتحديداً الحمراء منها، باتت موضة قديمة، لا تنفع حين تصل الأمور إلى ما وصلت إليه، حيث المشروع الإرهابي الذي تقطعت أوصاله في أكثر من اتجاه، والتعويل على مدّه بأكسير الاستمرارية يزيد من مراكمة الوهم، ورسم خطوط حمر، وجد أصحابها ومريدوها أنها لم تضف بعد كل هذه المتغيرات سوى استطالات مرضية وتورمات تبدو مؤذية لأصحابها قبل غيرهم، فالإرهاب المهزوم في دمشق ومحيطها، وفي حلب وفي حمص وحماة ودير الزور، لن يقوى على البقاء في الجنوب ولا في الشمال، وسيهزم بالحاصل ذاته.
فلعبة الألوان لم تعد مغرية، وتنقصها عوامل التشويق والسيناريوهات الهوليودية التي اعتادت البناء عليها، وزمن الخطوط الحمر ومشتقاتها بتدرجها.. صعوداً وهبوطاً.. باتت من موضة الماضي، والإرهاب وأدواته ومشغلوه مضطرون لجردة حساب قد تكون الأخيرة أو جولة مفتعلة، حين لا تنفع الجولات الخلبية، أو تلك التي تأتي في الوقت بدل من الضائع، حيث القرار المحسوم تحدده إحداثيات الميدان، وعندما يحضر تتبدل الألوان وأشكال الخطوط، وفي أحيان كثيرة تفقد خواصها ومسمياتها، وتصبح مجرد خطوط سياسية للاستهلاك الإعلامي.. لا تقدم ولا تؤخر.