ثورة أون لاين- بقلم: رئيس التحرير علي قاسم:
كانت الساعات الأولى التي أعقبت قمة هلسنكي كافية لتبديد الكثير من الآمال المعلقة على النتائج قياساً على ردود الفعل الأميركية، كما كانت الساعات التي سبقتها كافية لتبديد جزء من الهواجس والمخاوف التي بدت حمّالة أوجه، في وقت لا يزال من المبكر الجزم بالمآلات الأساسية التي أفضت إليها القمة لتبقى رهناً بالتنفيذ وبتطورات الأيام المقبلة،
بحكم أن المحظورات لم تصل بعد إلى النقطة التي تبيحها الضرورات، في وقت تشي الانطباعات الخارجة من القمة أننا أمام مماحكة سياسية لا يمكن التعويل عليها، فيما لسان حال هلسنكي يقول ليس بالإمكان أفضل مما كان..!!
فالبيان المتوقع لم يحصل.. والاختراق المأمول في قضايا مستعصية كذلك لم يتحقق على النحو الذي كان منتظراً، والرئيس ترامب الذي كان يمنّي النفس بالترويج لنجاحاته في القضايا الشائكة سيكتفي بما تحقق، على أساس أن انعقاد القمة يمكن اعتباره إنجازاً، من دون أن تضيف قمة هلسنكي إلى رصيد ترامب ما يستطيع أن يحاجج فيه أركان إدارته الذين يعتبرون أن عدم تحقيق اختراق هو الاختراق ذاته، عندما تمكنوا من صد كل المحاولات رغم استماتة الرئيس ترامب لتحقيق ما يعتقد أنه كاف ليسكت معارضيه في الداخل بعد أن عجز عن إسكات أصوات المتظاهرين ضده في الخارج.
قد لا يتحمل الرئيس ترامب وحده أسباب عدم النجاح الشخصي في هلسنكي، لكنه أيضاً لم يكن بريئاً من الأسباب التي أوصلت السياسة الأميركية إلى حافة الهاوية، وساهم بقسط كبير في انعدام الثقة بهذه السياسة، وخصوصاً ما يتعلق بالالتزامات التي تمليها أي اتفاقات أو تفاهمات، والأمر ذاته ينسحب على أي محادثات أو قمة ثنائية لا يمكن بأي حال من الأحوال توفير الضمانات الكافية من جهة لها.. ولا يوجد ما يحول دون نقضها أو رفض التفاهمات الأساسية فيها من جهة ثانية، مضافاً إليها التفاصيل بشياطينها التي لا يمكن أن تغيب عن التفسير الأميركي إذا ما أرادت التملص أو شعرت بأن الأمور ليست كما تشتهيها وترغب بها.
هذه العقدة كان من الصعب تجاوزها على المستويين الثنائي أو الجانب الأحادي، بحكم التجربة الروسية المباشرة وغير المباشرة مع الأميركي، الذي أثبت دوماً أنه يصبح على غير ما يمسي ويعلن غير ما يبطن، في ظل سياسة الترقب الحذر التي مارستها الدول والقوى، سواء كانت قضاياها مدرجة على جدول الأعمال أم كانت من بين الدول التي ستتأثر بنتائج القمة.. سلبية كانت أم إيجابية، وكان من الواضح كمّ الهواجس والمخاوف التي أحاطت بحلفاء أميركا في العالم وأدواتها في المنطقة، الناتجة عن تجارب مريرة مع الأميركي الذي لا يتردد في رمي كل تلك المخاوف المشروعة أحياناً خارج دائرة حساباته ومناقشاته.
الرئيس الأميركي الذي توجه إلى هلسنكي بتوسيع لائحة خصومه لتضم الأوروبيين إلى جانب روسيا والصين رغم الغلاف الدبلوماسي المحكم، لا يمكن أن يأمل أحد منه ما يمكن أن يفيد العلاقات الدولية، ومن الصعب أن يكون موضع ثقة من أي محاور جدي، وهي عناوين كانت تسبق القمة، أثبتت أنها كانت في صلب النتائج التي خلصت إليها، بدليل أن الأحكام والمشاغبات والمقدمات التي سبقتها كانت تشي بذلك، مع لغة تحريض شاركت فيها إسرائيل إلى جانب أدوات الضغط الصهيوني في الداخل الأميركي.
هلسنكي في رحلة كان عنوانها غير المعتمد..عود على بدء.. انتهت إلى ما بدأت فيه، وفي كثير من القضايا المدرجة انتهت إلى حيث كانت بالأصل، وما كان ملتهباً منها يبدو أنه لم يبتعد كثيراً عن خط الانفجار، وما كان مزمناً لايزال مستعصياً، وما كان مربكاً لم يخفف من التعقيدات داخله، وما كان قابلاً للحل انتهى إلى الترحيل أو التأجيل، حيث الأميركي الذي تمترس في المربع الأول لمقولات ترامب.. هو ذاته الذي خرج من القاعات الفنلندية مع فارق وحيد أنه بات أكثر إشكالية، وربما أكثر ارتباكاً من أي وقت مضى، وإن سجل لهلسنكي أنها عبدت الطريق نحو لقاءات أقرت بالندية الروسية.