ثورة أون لاين-بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
فرضت الأحداث والتطورات العاصفة إيقاعها على مسار العمل الوطني بشقيه الحكومي والحزبي، وكان من الطبيعي أن تأخذ حيزاً في التموضع البنيوي وفق مستويات تباينت حدة الصراعات داخلها، انطلاقاً من تأثير الجهد التعبوي في الظروف الاستثنائية،
وأن تُجرّد أدوات العمل الوطني من توصيفاتها التقليدية التي كانت سائدة بحكم حالة الاستقرار والاسترخاء التي فرضت أنماطاً من الترف الفكري في بنية وتفكير الدولة، وانسحبت بدورها على بنية الأحزاب باعتبارها حائط الصد المنطقي لمواجهة الإعصار الفكري الذي يملي حضوره.
على أن المسألة لم تأخذ حقها من النقاش.. وبدت المداولة فيها متخمة بالإسقاطات السياسية الهجينة والمفتعلة، أو في الحد الأدنى المتسرعة، وبرزت التحولات الناشئة على أنها تجاوز كلي لمفهوم العمل الحزبي، وكانت بعض الأصوات قد خرجت من سياقها الطبيعي، وحاولت أن تفرض سياقاً لا يتسق مع الفرضيات، فأتت الخلاصات والمخرجات منفصلة عن واقع العمل الحزبي كشكل من أشكال التأطير المتقن الذي تمليه تلك التطورات، وأدت إلى إحداث انزياح كان من الطبيعي التعاطي معه بصيغ ارتجالية تسببت بفجوات فكرية كان لا بد من اللحاق بها ومحاولة سد الثغرات.
عند هذه النقطة كانت العلاقة تتأرجح في سياق المقاربة السياسية والفكرية لنمطية العلاقة التي بدت أقرب إلى التجريب منها إلى التغيير، وترتب على ذلك المنهج جملة من الإرهاصات ذات الطابع الارتدادي الناتج عن هول المتغيرات التي بدت -حتى وقت قريب- أنها نوع من الإعصار الذي يريد اقتلاع البنية الفكرية من جذرها.. وإعادة غرس مقولات تعيد إنتاج المفهوم الغربي وعولمته ومنتجاته أو مستنسخاته الأخرى في التغول الذي ساد العالم، والاجتياح الذي دفع نحو الانكماش والتقوقع والاكتفاء بالدفاع، وأحياناً تجاهل مبرراته ومحاولة التيئيس للتسليم الكلي بما يجري، فكان الرد على ذلك كله من خلال التفاعل مع حاجات الحالة الوطنية لتثبيت عوامل الصمود وتجذير إرادة الصمود.
الإرهاصات التي نتجت والتجارب التي مرت تشي بأن العمل الحزبي يبقى بناء أكثر مقدرة على تفعيل دور أجهزة الدولة من سائر الأشكال الأخرى، وتحديداً في الاستحقاقات الوطنية، والتباينات التي حصلت جزمت بما لا يدع مجالاً للشك بأن المواجهة تقتضي استعادة ما يمكن استعادته وعلى وجه السرعة من أدوات العمل الحزبي، خصوصاً في مرحلة الأزمات وما بعدها، حيث البنى الأخرى والأدوات ذات الطبيعة الحكومية لا تستطيع أن تكون بنفس الدرجة من الفاعلية، وبنفس المستوى من الإتقان، والعمل الحزبي كان العمود الفقري في أي جهد على المستوى الوطني، وأبرز قدرة على التفاعل مع مختلف الظروف، وحتى في أماكن انحساره أو تراجعه، والأهم في ظروف الغمز المشرعن بأدوات السلطة من قناته، وصولاً إلى تفعيل الحالة ما فوق الوطنية وما يستتبعها من إضافات نوعية.
على أن ذلك لا يعفي من إطلاق مراجعة بنيوية تقتضيها صيغة الأحداث والتطورات من منظور الحالة الناشئة التي أفرزتها التداعيات المرافقة، وإن بدت في مطلق الأحوال تتطلب إعادة نظر في الدور من جهة، والآليات والأدوات من جهة ثانية، حيث العلاقة مع السلطة تبقى قابلة للنقاش والأخذ والرد، لكنها في الحاجة والضرورة بات لزاماً الإقرار بأن التجربة وما تمخض عنها أعادت الحاجة للعمل الحزبي ودور حزب البعث حتى في الصيغ المتداولة اليوم على نطاق أوسع، بمعنى إعادة تفعيل الأدوات ذاتها التي بدت للبعض تقليدية، لكنها أثبتت نجاعتها، وإن كانت تحتاج إلى تطوير وربما إلى مقاربة جديدة.. لا أعتقد أن حزب البعث غافل عنها، وهو ما ينسحب بالضرورة على باقي الأحزاب والعمل الحزبي كله، بمعيار الحالة الوطنية.