لن تمرّ من هناك..
حيث كرم التين وشجرة الدلب القديمة والحروف الغائرة على جذع الزمن.
لن تمر – تلك الفتاة- التي جدلّ العتم ضفيرتها وزينها البرد بسوار من الأسى
أمها تخبز الأسرار وترمد الغضب.
ووالدها يربط البؤس إلى شجرة التوت القريبة من معبر التعب.
منسية كانت وراء الحلم.. لم يرها – دن الكلام – فكسرته وهربت للأمام.
……………………….
لن تمرّ تلك التي تسرح الغيوم على كفها قبل أن تطلق أغنية المطر..
تتعرج بين السنين وبين الرعد العاصف.. لا يعطف عليها الريح ولا يكفّ عن هذيانه الوقت.
دقت عليها الوصايا.. هددتها.. لكنها قبل أن تصير الوصايا خنجراً كسرتها وقبل أن يصير الباب ذئباً غيرت مفتاحه.
……………………….
لن تمرّ التي كانت تقف أمامي في المرايا.. تتحداني وتبكي.
أمدّ لها يدي فتصرخ الفضة وينهمر شلال من الزعيق.
هذه ليست أنت.. وأنت لست هناك.. غادرت تلك التي كانت تشبه العشب.. صارت عوسجاً
وصار مثلها الدرب يرتدي نفسه ويمضي باحثاً عن اسمه الغريب.
……………………….
هي لن تمرّ..
ولن تترك عناوينها.. داهمها الغياب على حين شوق
فتذكرت وجه النهر حين بكى.. وحين لفتها السنابل في حرير العويل.
لم تكن هي التي جاءت بعد ذلك بمئات السنين وما كانت هي التي ستجيء في قادم البلد الغريب
كانت تشرب ماء النبع مع قبّراتها..
وتأكل الحلم مع خيالاتها
ليس إلا الأقحوان لؤلؤها -واليغنص- الفضي عطرها.
وحدها الشمس ستدخل من بؤبؤ الباب وتوقظها.
لا الساعة تنقر الوقت ولا ثغاء الأجراس يربكها.
تسير على مهل فوق رصيف الوقت.. لا تستعجل المحطات ولا المحطات ترحل وتتركها.
……………………….
كانت هناك.. وحكايات البيوت الحزينة كانت (على الساموك)
انكسر الساموك وانهمرت الحكايات.. انشق التاريخ وتساقط دمه على دفاترها.
مالت الأسطحة.. وغامت عيون الحلم.. ومرّ ليل طويل.. طويل.
لم يطلع الفجر من ضحكتها ولم ترجع البنت ولا عاد لؤلؤها.
……………………….
كأنها لن تمرّ.. أو لم تمرّ أبداً
فالنهر لم يرها.
والفراشات ما وقفن لتحيتها.. قد يعيد لها الغيم ثوبها.. وربما تغني لها أوغاريت أغنية لتستدل على سرها.. غير أن التي كانت هناك، ما زالت هناك.
والتي هنا هي غيرها.
……………………….
تولد المجرات من تصدعات روح الضوء
وتولد الأسماء من شهيق السكاكين على رقبة الوقت
لا الوقت يحيي.. ولا الورد يستعيد عطره.. ولا تلك التي كانت هنا ظلت هنا.
الكل صار هناك
الوقت والاسم والبلد الحزين.
أنيسة عبود
التاريخ: الأربعاء 24-10-2018
رقم العدد : 16818