كلمة طالما أضحكتنا، وكم من مرة تركت أجِنَّة المقل تنساب على الوجوه الواجمة، مؤلمة في أحايين كثيرة، تأخذنا إلى البعيد.. البعيد.. كلمات في بعض الوقت أمضى من رصاصة تخترق الصدر، تستقر في قلب فتنهي حياة حامله، وقد تعبره بسلام.
عندما تتحدث الميديا على لسان ترامب أنه لولا السعودية لكان الكيان الصهيوني (إسرائيل) في مأزق، أمر يثير فِيَّ الضحك ويأخذني لترديد وعجبي.. ما يثير الشجن أن الإعلام يتناقل الخبر على أنه مفاجأة، وكأن ذاكرة البشر معطلة أو بها زهايمر.
ألم تنشأ السعودية على صك إعدام فلسطين، الذي وقعه أول من منحته بريطانيا تاجاً وعرشاً، واسماً لأرض تاريخياً اسمها الجزيرة العربية نجد والحجاز، ليصبح اسمها من لقبهم، كأنها إرث شخصي من أناس (مشكوك في صفاء نسبهم كعرب) لا كيهود.
هل بعد تذكر المشهد الذي لا يموت بالتقادم، يمكن أن تتحرر أرض الجزيرة من قيود بيت الوهابيين ووحشة ظلمتهم، التي تمنح كنوزها لأعداء الإنسانية، والشاهد الحي ما قُدِّم هبةً للأحمق الذكي ترامب، دون الالتفات إلى لقب البقرة الحلوب الذي نعتهم به.
فَرِحَ البلهاء باللقب وانتفخت أشداقهم، كأنه تاج جديد يضعه مابين (القرون).
أي تسفيه يقبله المرء، لكن من يمارس الإرهاب بإصرار بل يتفاخر به، ما يفعلونه في اليمن، لابد أنه خارج معاقل الإنسانية، لينتهي في حظيرة لا تريم إن كانت للبقر أو للنعاج.
الأحمق يعمل بمنهجية تشابهه، لا يمكن أن يضحي بفواتيرهم، يعترف بلسانه أنه لا غنى عنها، معلناً أنه سيحلب البقرة حتى آخر نقطة بترول، لأنه لايعترف بأهليتهم في التصرف بكنز البترول، الذي هو أصلاً ملك أهل الأرض الأصليين وليس الغاصبين.
الخوف يباغت الصهاينة في الأرض المغتصبة، فهو يحيط بهم من كل مكان، خشية المقاومة من جهة سورية ولبنان، وما ينتظرهم من مفاجآت غزة هاشم.. والذعر الذي ينتاب المستوطنين. لذا يسعى الاحتلال لصرف الذعر في التطبيع مع الخليج.
الجريمة التي يشترك بها السعودي والصهيوني وأمريكا ترامب، غير مقيدة بزمان أو مكان، فأينما تحل أمريكا بجنونها الأهوج وتعطشها للدماء العربية، نجد قلماً صهيونياً يرسم خرائط الموت، وسعودياً حاضراً لدفع فواتير الحرب، محاسب أبله ومخطط لئيم.
بين جنون ترامب، ولؤم أردوغان، وغباء الوهابي، وخبث الصهيوني، يرتفع الستار عن مسرح التطبيع غير الدبلوماسي. ما تعتبره حكومة بني صهيون أمراً شكلياً لا يرقى لما يحققه لها التطبيع من منجزات اقتصادية واجتماعية وثقافة تزرعها فيهم.
ثقافة تمطر غيمتها على عقولٍ قفراءَ، في مسعى يفتح مغاليق أبوابٍ تحقق أحلاماً قديمة لغولدا مائير، وقبلها بن غوريون، هي أن أرض اليهود أينما يضع جنديهم قدمه، فلما بات فعل جنودهم هزيلاً أمام حلف المقاومة، أرادوها قدماً مدنية رياضية.
ترجموا أحلام سابقيهم بعيداً عن الحروب، التي تجعل الهجرة من فلسطين لا إليها، التفتوا إلى مكاسب تحقق لهم أماناً لم تحققه لهم الحروب، مكاسب كبرى تعزز موقف حكومة نتنياهو في داخل الكيان المهزوز، بعدما بات يعانيه في غزة وفي الجولان.
العربان تأخذهم العجلة الأمريكية وحلفها بعيداً عن سورية وما فيها، كلما شعرت أن تقارباً قابلاً للنضوج بين أي منهم وسورية.. ببساطة جلّهم لا يمتلك حق التصرف بقراره، بما فيها السلطة الفلسطينية التي مازالت تدور في فلك هلامي لا طائل منه.
رغم سوتشي وأستانا وحلم بطاولة في جنيف، كل من هو خارج إطار شرعية حلفاء سورية، يلعب على الزمن معطلاً. أمل الوصول إلى مكسب يمكن الحصول عليه، وإن كان الجميع على يقين بأن الإرادة السورية لن تتهاون في تحرير كامل جغرافيتها.
الإرادة السورية بركائزها التي أوصلتها إلى إنجاز الكثير من النصر على غول الإرهاب، وتحرير الكثير من جغرافيتها منعت ربيعهم من المرور بين رزانة شتائها وسنابل صيفها المروية بعرق الآباء ودم الأبناء، ربيعهم أعدم فيها بلا محاكمة..
كل المكائد المفتعلة لضرب حلفاء سورية ــ التي أعياهم تطويعها ــ بإسعار نيرانهم بين أوكرانيا وروسيا، وتهديدهم بالعقوبات على روسيا. وكذا إيران وملفها النووي باءت بالفشل، أما ترامب فحكاية تصريحاته ومواقفه اللامنطقية.. قد تودي لنهايته
حقيقة إن بعض المواقف الشعبية مازالت تشعرنا أن النخوة العربية مازالت تسكن الضمير العربي، فنبضه قادر على إحياء كبريائه الذي انسفح مراراً وفي غير مكان على الأرض العربية، لكن يبدو(على نفسها جنت براقش) براقش السعودية في اليمن.
نبض الشارع التونسي حي وفيٌّ لثورته، ولفلسطين في مناهضته للتطبيع، فهبة جماهيره ضد استقبال ابن سلمان، رفض لصفقة القرن، ولما يمارس على اليمن، ونصرة لغزة وسورية، وليست قضية الخاشقجي إلا القشة التي قسمت ظهر البعير.
رغم الدوامة هذه مازالت ادلب تطلق أنداءها، تنتظر تحرير روحها من الأسر، تأتلق عيونها نحو أبنائها لفكّ أصابعها المنكمشة بيد الإرهاب، لتغفو على شمس الضحى آمنة، إن سياسياً، أو من فوهة بندقية متأهبة بيد جندي يقبض على الزناد. وعجبي..
شهناز فاكوش
التاريخ: الخميس 29-11-2018
رقم العدد : 16848