يكاد العالم يقع على حالة فريدة من الإجماع، غير مَسبوقة، لجهة توصيف خطاب واشنطن بالخطاب المأزوم، الذي يُعبر عن الأزمة التي تُواجهها، أو الذي يُوصف المعاناة من تراكماتها، أو الذي تريد واشنطن أن تستخدمه لتُوحي بوجود أزمة تخنقها، هي غير موجودة لكنها تُوحي بها لتُبرر كل السلوكيات الشاذة التي تُقدم عليه بذريعة البحث عن الخروج من الأزمة والمأزق!.
كل الاحتمالات السابقة واردة، إذ لا يُستغرب على الشيطان شيء مما يأتي به، وشياطين أميركا – التي تعبث بكل شيء مُتخطية كل الحدود – لا تُجيد اللعب إلا خارج منظومة الأخلاق والقيم لهدم ما تبقى منها على أرض الواقع وليس فقط في مُنتج هوليود الذي لا يقف عند أي حدود في غزو العالم واستهدافه بتهديد كل ما يمتلك من إرث ثقافي حضاري، ودائماً لتفريغه من كل قيمة، ولاستبداله بما تجري محاولة تعميمه في إطار العولمة المُدمرة.
ربما تلعب واشنطن لعبة المأزوم بتَعَمُّد تداول مُفردات خطاب يُعبر عن الحالة التي تبدو أميركا معها في حالة انقسام داخلي حاد، غير أن ذلك لا يُلغي احتمال وقوعها في أزمة حقيقية يُرجحها العالم بتقديراته وبقراءته لما يصدر عنها من ممارسات وسلوكيات نافرة ومُقززة تُعبر في الحالتين عن أزمة، على جوانبها يُعبر الديمقراطيون والجمهوريون بتجاذباتهما ومُماحكاتهما وسجالاتهما عنها وعن تملصهما معاً من كل قيد قيمي ومن أي مُحددات أخلاقية.
راقبوا التصريحات والمواقف الأميركية التي تصدر عن مُكونات الإدارة ذاتها، عن الأعضاء في مجلسي النواب والشيوخ بانتماءاتهما الجمهورية والديمقراطية، عن المسؤولين في البنتاغون والخارجية، لن تعثروا على روح واحدة، لكنكم لن تتمكنوا من القبض على تناقضات قيمية في الخطاب الواحد أو المُتعدد، أحدهما في مواجهة الآخر حول مسألة مُحددة أو أكثر من مسألة.. كلاهما يَصح توصيفه بالتافه لشدة استعلائه وشذوذه وعنجهيته وعجرفته.
وإذاً، فهل تكون صفة المأزوم هي من طبيعة الخطاب الأميركي؟ ومن صميم اللعبة الشيطانية التي تُمارسها واشنطن داخلياً تحت اسم الديمقراطية وتداول السلطة، وخارجياً لتمرير ما يَصعب تمريره تحقيقاً للغاية ذاتها التي تبحث عنها أميركا بجمهورييها وديمقراطييها، على أنه ليس مُهماً أنّ تحقيقها تمّ بهذا المقدار على يد الجمهوريين وبذاك المقدار على يد الديمقراطيين؟!.
على الأرجح، هذا هو نَمط العمل الشيطاني الذي يَحكم المؤسسات السياسية والعسكرية والدبلوماسية والاستخبارية الأميركية، سواء بتداول السلطة أم بتبادل الاتهامات وتَثوير السجالات بمساحات حرية مُنضبطة مُخططٌ لها لتُبدي مَظهر خلاف واختلاف صحي وأجواء ديمقراطية تأسر من هو على استعداد ليكون أسير أنماط لعبة الشر الأميركية!.
هل بمقدور حكومات قائمة هنا وهناك بوجود حكومات ظل أو حكومات عميقة من عدمها ممارسة اللعبة إياها، وخداع المحيط على النمط الأميركي أو باستنساخه؟ نعم، لكنّ ذلك سيكون مَشروطاً ومُتوقفاً على قدرة المُقلدين التملص من المعايير الأخلاقية والقيمية، وعلى امتلاكهم مَقادير انحطاط تُتيح لهم تَسوّل الحماية من صاحب القوة المُتغطرسة – أميركا ذاتها – التي سيُسعدها ذلك، أولاً لأنها ستَقبض ثمن الحماية، وثانياً لأنها ستتحكم بالمراحل اللاحقة من اللعبة، وثالثاً لأن خطوة إضافية سيَقطعها مشروع التدمير بالعولمة خاصتها!.
علي نصر الله
التاريخ: الخميس 29-11-2018
رقم العدد : 16848
السابق
التالي