لم يكن ترؤس السيد الرئيس بشار الأسد اجتماع الحكومة بكامل أعضائها بعد أداء الوزراء الجدد اليمين الدستورية مشهداً توجيهياً اقتضته التعديلات الوزارية، بقدر ما يعكس منهج عمل حدد بدقة متناهية خصائص المرحلة، وربما الحقبة القادمة من عمل الحكومة وما يليها، وأضاء على جوهر ما هو مطلوب في صياغة أداء حكومي يتعدى المفهوم العام لدور الحكومة، ويصل لمستوى المراجعة لدور مؤسسات الدولة الممثلة في قطاعات العمل المختلفة.
فالقدرة على الإلمام بالتفاصيل وربطها بالعناوين الكبرى وفّرت المساحة الكافية لتأطير وصياغة المفاهيم الأساسية المطلوبة على المستوى الآني المستعجل والملحّ، كما هي على المدى البعيد والاستراتيجي، في مشهد يعكس المعرفة الدقيقة بكل تفصيل، وفي رسالة تتخطى البعد الاستثنائي للظرف السياسي وما يحيط به، وصولاً إلى تشكيل خطة عمل المرحلة المقبلة التي كانت حاضرة بكل تجلياتها، انطلاقاً مما هو قائم، بهدف تطوير الفهم الحقيقي للوظيفة العامة في سياق خدمة المواطن الذي كان وسيبقى البوصلة الحقيقية.
فمكافحة الفساد التي كانت إحدى العناوين الكبرى والنوعية التي خصّ بها الاجتماع جاءت منسجمة مع الرؤية الأشمل والأوسع التي تقتضي معالجة ومكافحة أسبابه، والبيئة التي تنتجه، والانتقال فيها من مرحلة العلاج إلى الوقاية من خلال تحصين القوانين ذاتها، التي شكلت في الجوهر الثغرة التي يخترق فيها الفساد أداء الحكومة، مع تقديم الحلول المطلوبة التي تحاكي الوضع القائم، بحيث إن أي مقارنة لا بد أن تقرّ بالفارق بين الصياغات النظرية والنماذج التجريبية المنطلقة من الواقع، والتي تفترض أن الاستثناء لا بد أن يكون قي حده الأدنى، مع ما يقتضيه من مراجعة مستمرة.
وهو ما يتقاطع مع الفهم العام لدور الأداء الحكومي وقنواته المختلفة، التي لم تعد تقتصر على مهمة تسيير أمور وعمل القطاع الوزاري، والتي تحتاج إلى إعادة تقييم ومراجعة فورية، انطلاقاً من النتائج التي خَلُصت إليها قبل أن تكون صيغاً فردية تحاكي الوضع من منظور شخصي يتوه في سراديب التفسيرات والتفسيرات المناقضة، حيث إن الأداء يجب أن ينعكس في سياق النتائج التي تتحقق، ويشعر بها المواطن بشكل مباشر، والتي فتحت الأفق على الوظائف المنوطة بالعمل الحكومي ومنطوقه العام.
وفق هذا الاعتبار كان التشديد على أن الصمود الذي تحقق كان نتاجاً عملياً للإرادة الوطنية، وهو يقود إلى ضرورة أن يلمس المواطن نتائجه المباشرة التي باتت حقاً من حقوقه على المستويات المختلفة، ليصل هذا الحق إلى إدراك أكثر عمقاً لوجود الدولة، التي تتكامل فيها مستويات العمل سواء ما تعلق بالأداء الحكومي، أم ما جاء مفترضاً في سياق المشهد الوطني بأوجهه المختلفة، حيث إن الحلول المقدمة لتجاوز الصعاب أبرزت التحول النوعي في صياغة منهج العمل القادم.
الرسائل المنضوية في سياق الاجتماع تحتاج إلى ترجمة تصل إلى حدود الأفق المفتوح والمساحة المتاحة.. فالسقوف المرتفعة تضيف إلى المهام الوظيفية للعمل الحكومي جزءاً من الصورة التي تحتاجها لتكون أكثر وضوحاً في آليات التعبير، حيث المرحلة المقبلة بعناوينها التي أضاءت عليها الرؤية التوجيهية للسيد الرئيس بشار الأسد تفتح الباب على مصراعيه أمام أداء نوعي يتسق والطموح المشروع في رؤية بنية متكاملة من الأدوار لمختلف الوزارات وتشابكها في تأدية المهام المنوطة بها.
بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
التاريخ: الجمعة 30-11-2018
الرقم: 16849