أغادركَ ياوطني إليَّ، بذاكرةٍ تحنُّ عليَّ.. تحنُّ باستدعائها، لأوجاع تداعياتها.. لحكايا الأمس الشقية، بسرِّيتها العلنية.. حكايايَ التي أمستْ، فيها كضوءٍ لا يخفتْ.. كصورة أمّي مريمتي، أنظرها أراها عافيتي.. جرحي الذي تعلَّم، كيف فيكَ يتبسَّم، وكيف يصمتُ والأنين، يستدعي ذاكرة الحنين.
ذاكرة الحنين العتيق، فيكَ والعشقُ العميق.. عشقُ من نبضوا بكَ، وعطَّروا قلبَ دمشقكَ.. منهم ولَهمْ وبهمْ، قدْ رُفعتَ بضَمَّهمْ.. صلةُ المحبوبِ أنت، ناجاكَ فقالَ وقلتْ:
إليَّ أغادرُ ياوطني، فتبقى فيّا تدوِّخني.. على قارعةِ الرحيل، وأستدعي كلّ جميل.. كلُّ ماضٍ قد مضى، وعادَ بأكثرِ من صدى.. صدى آهٍ من فراق، لروحٍ تحيا في الأشواق.. لأحبَّةٍ هم منكَ ومني، ذكراهمْ ماغابتْ عنّي.. لأمكنتكَ اليقظة، تتجدَّد لحظة لحظة.. تتوسدها ذاكرتي، أأفقدها؟.. لا، هي عافيتي..
لن أفقدها لأني، لغتكَ تحكي بأنّي.. أنطقُ بالحقِّ العظيم، بأنَّكَ فيَّا الرحيم.. رحيمٌ وهوايَ لكْ، قد آمنَ مُذ لفحكْ.. آمنَ بكَ وتوكّل، عليكَ كيلا يرحلْ.. حرفي فأنتَ دمعته، إن غصَّ فاضَتْ حكمته.
فاضتْ وبخورُ التراب، يقدِّسُ فيكَ الغيَّاب.. أبناء الفجرِ الأكيد، وعشَّاق الموتِ الشهيد.. من شربوا نخبَ كرامتكَ، ونخب الأرض أمومتكَ.. من أضجرهم الألق، إلا بقلبكَ وانبثقْ.. من سوريَّتكَ الحنين، وفيضُ عبقِ الياسمين.
أغادركَ ياوطني إلي، فليتكَ ترأفُ بي.. ترأفْ بقلبٍ هجرته، إلى عينيك وجعلته.. سبيل نبضي إليكْ، وذاكرة وردي فيكْ.
هفاف ميهوب
التاريخ: الأحد 13-1-2019
الرقم: 16883