من القدس المحتلة وبعد زيارة حائط البراق حلَق مايسمى بالرجل الشارب مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي جون بولتون متجهاً نحو أنقرة وذلك في محاولة لإكمال مهمته في تهدئة المخاوف الإسرائيلية والتركية بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قواته من سورية.
بولتون الذي اعتمر «الكبه» أي القبعة الإسرائيلية التي ترمز للتقوى حسب معتقدات التلمود، وما التقوى في السياسة الأمريكية سوى تأكيد المؤكد بأن أمن إسرائيل من أمنها.لم يخرج من «تل أبيب كما دخلها « بل خرج بحملة اعلامية مضادة للسياسة الأميركية وصلت حد شتم بولتون وترامب.
أما في أنقرة فقد كانت ردة الفعل التركية أكثر حدة حين رفض «صاحب الطربوش العثماني» رجب طيب أردوغان استقبال جون بولتون ما اثار غضب الأخير فغادر تركيا متحاملاً مايعكس أن الثقة المتبادلة حسب مراقبين وصلت إلى أدنى مستويات بين البلدين، إذ تشترط واشنطن بعدم المساس بميليشيات «قسد» التي تدعمها في سورية، حيث أعلن بولتون بأن سحب قواته من سورية مرهون بضرورة وجود اتفاق لحماية مرتزقتها من الأكراد الانفصاليين في سورية وما الإشارة هنا سوى لتركيا وهو ما لم تخفه واشنطن إذ تقول: «إن الانسحاب من سورية مرتبط بتطمينات تركية بشأن سلامة «الكرد» في سورية حسب تعبيرها».
بولتون الذي لم يقابله في أنقره سوى كبير مستشاري أردوغان أثار نقطة الخلاف حول الورقة الكردية في سورية ومضى دون أن يبحث الوضع في الشمال السوري أو حتى آلية الانسحاب الأميركي مع الأتراك .
فالأكراد ورقتهم تحترق للمرة العاشرة وتجاربهم أثبتت أنهم فشلوا أكثر من مرة في كردستان العراق وفي سورية نتيجة التحالفات التي يرسمونها والتورم بالمشاريع الانفصالية والتي لم تتحقق يوما في سورية، والكل السياسي يجمع اليوم على أن أميركا قد خدعتهم كما خدعت كل حلفائها و أوهمتهم أنهم يستطيعون الثبات وحجز مساحة جغرافية في سورية في الآونة الأخيرة، حيث وهب ترامب الأكراد في شمال سورية الأسلحة الأمريكية بعد الانسحاب وترك «رصاصه الطائش « بأمرتهم، فهو أساساً باعهم ما لا يملك. بعد هذه المجريات السؤال هو: ماذا حقق بولتون من أهداف في جولاته ؟ لايبدو أنه جاء للمنطقة الا لامتصاص الصدمتين الأسرائيلية والتركية وجر المشهد الى الخليج هناك حيث تكون الاستدارة المباشرة نحو ايران.
فمحاولات التهدئة في اليمن والانسحاب الأمريكي من سورية وقريباً من أفغانستان باتت ضرورة أمريكية وان كانت على حساب اسرائيل ولكنها في الواقع تخص الداخل الأميركي وحده، فواشنطن تخوض مغامرة خطيرة جديدة لدفع دول الخليج لحرب مجنونة مع إيران، فبقاء محمد بن سلمان لن يكون مجانياً وكلمة السر لقبول السعودية هو الرضوخ للخطط الأمريكية الجديدة وفي المقابل إيران ستتصرف على مختلف الأصعدة تجاه هذه المخططات وأهمها عسكرياً.
جولة بولتون تختلف بشكل بسيط عن جولة بومبيو، فجولة الأخير جاءت في صلب الأمن القومي الخاص بالولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في المنطقة، فهي ثمانية أيام وثمان دول وجدول أعمال مكثف استغرقته جولة وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو إلى منطقة الشرق الاوسط، والتي اعتبرها فرصة لتسوية خلافات إقليمية ومواجهة تحديات هامة، وهناك تحفظ على كلمة «طمأنة الحلفاء» فعلى ما يبدو أن بومبيو جاء بمهمة تكليف الحلفاء فماذا جاء يكلفهم؟
بومبيو قال:» إنه جاء لإنهاء خصومات قديمة» وتحديداً تحدث عن الشرق الأوسط فما قاله حرفياً هو» إدارة الرئيس ترامب تعمل على تأسيس تحالف استراتيجي شرق أوسطي»، وهو التحالف المعروف عنه أو الذي سمي عند البعض «بالناتو العربي» على غرار حلف الأطلسي، فكرة هذا التحالف التي عُرف عنها تحالف عسكري يجمع دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن وإسرائيل، والآن عندما يأتي وزير الخارجية الأميركي ويحدّث عن إنهاء خصومات قديمة ومطالبة هذه الدول باتخاذ الخطوة التالية يفهم من ذلك هو تكليف ومطالبة هذه الدول باتخاذ خطوة باتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني.
إذا كان هذا هو التكليف الأميركي أما دور واشنطن القادم في المنطقة فهو رعاية هذا التحالف واستخدام الدبلوماسية حتى تحاول تحقيق أكبر قدر من مآربها في الشرق الأوسط .
حفلة الكذب مستمرة على المسرح الدولي فالانسحاب الأميركي من سورية شغل وسائل الإعلام بأخباره، والسؤال الاكثر إلحاحاً في هذا التوقيت هو كيف ستدار خيوط اللعب السياسي بعد هذا الانسحاب؟
لاشك بأن تنفيذ انسحاب أميركي من سورية شكل صفعة قوية لإسرائيل خصوصاً أن الوسط الإسرائيلي ضج بكثير من الانتقادات تجاه وعود بولتون لحماية أمنهم، فهي وعود ما تزال حبرا على ورق وجولات بومبيو وبولتون كانت ومازالت دون جدوى بالنسبة لإسرائيل، فإبقاء أميركا قواتها في سورية كان بمثابة ورقة المساومة الوحيدة التي يمتلكها الكيان الصهيوني في حماية نفسه من محور المقاومة واضعاف سورية للسيطرة على مرتفعات الجولان وسحب اعتراف دولي بشأنها، وذلك بدا واضحا خاصة أن نتنياهو أثار هذه النقطة مع بولتون ..بل هي النقطة الوحيدة التي اثارها .
مقابل كل مايجري دوليا وفي المنطقة نجد أن سورية وحلفائها حققوا نجاحا منقطع النظير سواء على المستوى العسكري أو السياسي، ويمسكون اليوم بكل الخيارت وربما ستشهد الفترة المقبلة توجه إسرائيل و أردوغان لطلب الطاعة الروسية فهل ستسمن أو تغني طاعتهم من جوع؟
زينب العيسى
التاريخ: الثلاثاء 15-1-2019
الرقم: 16885