شهدنا هذا الاسبوع ازدحام الشبكة العنكبوتية بـ «تحدي العشر سنوات»، حيث عمد مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي إلى نشر صور قديمة وحديثة لهم لإظهار مدى التغييرات التي طرأت عليهم خلال هذه المدة.
لقد تابعنا العديد من التغيرات على مدى العقد الماضي وبات كل ما حصل واضحا. ففي عام 2009 كان معظمنا مشغولا بالتعرف على الليدي غاغا ويكتنفنا القلق إزاء احتمال تسلم ضيف برنامج «The Apprentice» سدة الرئاسة في الولايات المتحدة.
لكننا لسنا بحاجة للدخول في «تحدي العشر سنوات» على الانترنت لنتذكر بأن العالم قد اصبح أكثر قتامة ومكانا للتحديات في نواح كثيرة خلال هذه الفترة.
لقد كان أحد» الشخصيات «المسؤولة عما حل بهذا العالم من خراب هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تسلم رئاسة الحكومة في شهر آذار عام 2009. ذلك لأنه نال قصب السبق في تفويت جميع فرص السلام، ولم يتأخر عن نشر مجموعة من الصور للمشاركة في «تحدي العشر سنوات» على موقع تويتر. وقد ظهرت المقارنة الأولى في صورة التقطت له ولزوجته عام 2018 والابتسامة تعلو وجهيهما إلى جانب إيفانكا ترامب خارج السفارة الأميركية التي تم افتتاحها حديثا في القدس، وصورة التقطت للسفارة الأميركية السابقة في تل أبيب عام 2009. أما الصورة الأخرى على تويتر فكانت صورة للجدار الحدودي الطويل المدعم بالأسلاك الشائكة في مقارنة مع صورة صحراء لا حدود لها تعود لعام 2009.
لقد بات معلوما للجميع بأن نتنياهو الذي سيخوض انتخابات إسرائيلية ساخنة يواجه وزوجته في هذه الآونة تحقيقات متواصلة بشأن تقاضيه الرشوة وارتكاب الفساد بالإضافة إلى توصيات الشرطة الإسرائيلية بتوجيه العديد من التهم إليه. إلا أنه لم يتورع وزوجته عن نفي التهم المنسوبة إليهما. لذلك يجب أن لا نستغرب البتة عندما نشاهده يوظف موقع تويتر لجذب قاعدة انتخابية لنفسه.
إن شماتة نتنياهو بالشريحة الواسعة التي انتقدت انتقال السفارة الأميركية عبر مشاركته في هاشتاغ على وسائل التواصل الاجتماعي هي محاولة مثيرة للاشمئزاز يرمي من ورائها إلى توحيد أتباعه خلف مبادئه الخبيثة. لكنه لم يأخذ بحسبانه بأن تلك السفارة، التي نُقلت بناء على تعليمات الرئيس ترامب في شهر آب عام 2018، كانت السبب المباشر في إشعال أحد النزاعات الشائكة والمستعصية في العالم برمته، حيث سيقيمها التاريخ باعتبارها جزءا من تداعيات الأحداث التي أظهرت مدى التراجع الاخلاقي الأميركي على مستوى العالم.
بقلق بالغ راقب العالم أحداث شهر أيار عام 2018 عندما أطلق القناصة الإسرائيليون النار على المحتجين الفلسطينيين الذين اعترضوا على نقل السفارة لما تحمله القدس من أهمية تاريخية بالنسبة للعرب واليهود على حد سواء. وقد ظهرت صور ترامب والابتسامة تعلو وجهه إلى جانب صور يندى لها جبين الإنسانية تظهر سقوط 100 ضحية من المتظاهرين الفلسطينيين. وقد بينت الصور بأن أغلبهم كان أعزلا من السلاح، وأن من بين القتلى العديد من الأطفال الأبرياء. بينما نجد الإسرائيليين يصرون على الادعاء بأنهم كانوا في حالة دفاع عن النفس.
لقد كان يوم تدشين السفارة من أكثر الأيام دموية في غزة على مدى سنوات خلت، وقد شهدنا أسابيع من أعمال العنف نتيجة تصاعد وتيرة التوترات. لكن ما يثير القلق في النفس أن يرى نتنياهو ذاك التحرك -الذي قامت به القوات الإسرائيلية التي أدينت من قبل الأمم المتحدة لاستخدام «القوة المفرطة» ضد المتظاهرين- مدعاة للاحتفال.
أما بالنسبة لجدار الفصل فإن من الأمور التي تثير الدهشة عندما نشاهد منظرا لأرض شاسعة رائعة يتم عزلها بجدران عالية وأسلاك شائكة خلال عقد من الزمن. كما نشاهد الحصار الحدودي الذي تطبقه إسرائيل على قطاع غزة الذي حول المنطقة برمتها إلى سجن مفتوح. وقد حذر تقرير أصدرته الأمم المتحدة من مغبة تحول غزة (التي تعتبر ثالث أكثر منطقة مكتظة على مستوى العالم) إلى منطقة لا تصلح للسكن بحلول عام 2020 جراء الحصار الجائر عليها، ذلك لأن 97% من مياه الشرب لم تعد صالحة للاستهلاك ولا تحظى سوى بأربع ساعات من الكهرباء يوميا. وفي حين يحتفل نتنياهو بالجدار، نرى سبل العيش تضيق بأطفال غزة الذين عبر 50% منهم عن عدم رغبته بالحياة.
أما على الصعيد المحلي، فإن قلقا اقتصاديا يلوح في الأفق الإسرائيلي. إذ بينت دراسة أن 60% من الإسرائيليين يسودهم القلق أو القلق البالغ تحسبا لعدم تمكنهم من الانفاق على أطفالهم، بينما أعرب 65% عن خشيته من عدم امكانية الادخار للمستقبل. كما لا يرى سوى ثلث الإسرائيلين فقط بأن الاقتصاد سيشهد تحسنا في السنوات العشر المقبلة. لكن أمام ما نشهده من تهم الفساد الموجهة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية لن نستغرب البتة أن يحذو نتنياهو حذو صديقه ترامب على تويتر لعله يتمكن من صرف الأنظار عما يحيق به من فشل.
ربما سنشهد في «تحدي السنوات العشر» المقبل، أي في عام 2029، بأن صور اليوم مثيرة لقلق رئيس الوزراء الإسرائيلي في حال التوصل إلى السلام في القضية الفلسطينية لكن إن استمر تولي مسؤولين على غرار نتنياهو سدة الحكم فلا ريب أنهم سيسعون إلى نفث سمومهم، وحينها يصبح تحقيق هذا الأمر بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى.
بقلم: لويس ستابلز The Independent
ترجمة: ليندا سكوتي
التاريخ: الاثنين 21-1-2019
الرقم: 16890