سوريـــــة وحلفاؤهـــــا في مواجهـــــة «ســـــيزر».. شـــــركاء النصــــر أقويــــاء

منذ أن أصبح انتصار سورية على المشروع الارهابي التكفيري في الأشهر الأخيرة حقيقة واضحة وأمراً واقعاً لا تخطئه بصيرة المبصرين، حيث لم يعد ينقص هذا الانتصار سوى تحرير بعض المناطق المتبقية في الشمال والشمال الغربي من البلاد من بقايا الارهابيين ـ والخطط موضوعة والاستعدادات جارية ـ وبعد أن وضعت الدولة السورية في سلم اولوياتها العمل بكل الامكانات المتاحة لمعالجة المشكلات الشائكة التي أفرزتها حرب الثماني سنوات، كإعادة إعمار ما دمره الارهابيون وداعموهم من قوى وجهات دولية وإقليمية، وإعادة المهجرين إلى قراهم وبلداتهم بعد أن هجرتهم وشردتهم الجماعات الارهابية، وسحب هذا الملف من ساحة الابتزاز الغربي والاقليمي، تمهيداً لإنجاز الحل السياسي اللائق بالسوريين، دخلت الولايات المتحدة الأميركية بكل مخططاتها الشيطانية ـ رغم قرار ترامب سحب قواته من سورية ـ على خط عرقلة هذه المساعي والتوجهات بموافقة مجلس النواب الأميركي مؤخراً على قانون عقوبات جديد تحت اسم «سيزر» مشفوعاً بذرائع إنسانية كاذبة وعناوين مخادعة انسجاماً مع السياسة الأميركية الكاذبة والمخادعة.
العنوان الذي اختارته واشنطن اليوم لاستهداف سورية هو «حماية المدنيين» فيما الحقيقة الواضحة وضوح الشمس هي أن سياسة الحصار العقوبات الأميركية والاجراءات القسرية التي تم اتخاذها من جانب واحد طوال فترة الحرب إلى جانب دعم الارهابيين الذين تولوا مسؤولية تدمير المعامل والمصانع والبنية التحتية للدولة، قد ألحقت أفدح الأضرار بالاقتصاد السوري جراء نقص المواد الأساسية والضرورية للصناعة وتوقف النشاطات الزراعية والصناعية والسياحية في أغلب المناطق بشكل كبير، الأمر الذي أثر بشكل سلبي على حياة ومعيشة المدنيين السوريين الذين تدعي واشنطن الحرص على حمايتهم، فصمد أغلبيتهم إلى جانب جيشه وحكومته وقيادته في مواجهة الارهاب والعقوبات، واضطر جزء آخر الى النزوح والهجرة بسبب تداعيات الحرب والعقوبات الظالمة.
برغم قرار ترامب بالانسحاب من سورية مايزال العقل الأميركي المأزوم يرفض فكرة الهزيمة والخروج من المسرح السوري بدون ثمن لتورطه المفضوح في دعم الارهاب وارتكاب المجازر البشعة بحق المدنيين، وهاجسه تعويض ما خسره في الميدان بهزيمة مشروعه عبر الانتقام من الشعب الذي أذله وأجبره على الرحيل، فالعقوبات التي تنوي واشنطن فرضها على سورية تطول بشكل أساسي مشروع إعادة الاعمار وتطول بشكل رئيسي حلفاء سورية في الحرب على الارهاب أي إيران وروسيا وتشمل مجالات الطاقة والأعمال والنقل الجوي.
من الواضح هنا أن واشنطن قد لجأت إلى الحرب الاقتصادية بدل الحرب العسكرية لتعويض خسارتها في الميدان وانسحاب قواتها من دون شروط، وفقدانها الأمل بالمشاركة بمشاريع إعادة الإعمار التي تناهز تكاليفها الـ 400 مليار دولار حسب بعض التقديرات، وتحقيق أرباح هائلة لشركاتها الرأسمالية الجشعة، وهي التي ساهمت بشكل كبير في تدمير سورية، ولعل مدينة الرقة السورية التي دمرها التحالف الأميركي المزعوم ضد داعش خير شاهد على الطريقة التي يفكر بها العقل الأميركي، عبر شن الحروب وافتعال الأزمات من أجل التدخل وإقامة المشروعات التي تخدم مصالحه الاستعمارية على المدى البعيد.
بطبيعة الحال لن تمر هذه العقوبات من دون بعض التداعيات السلبية على حياة السوريين الذين تدعي واشنطن حمايتهم كونها تطول مجالات حيوية مرتبطة بالطاقة من نفط وغاز وكهرباء، وستؤثر بشكل ما على مساعي وخطط سورية وحلفائها لفترة ما بعد الحرب، وإن كان الجميع بالأساس يتعرض منذ سنوات لأشكال مختلفة من العقوبات الأميركية، فإيران عانت منذ انتصار ثورتها الاسلامية قبل أربعين عاماً من سلسلة متلاحقة من هذه العقوبات، كما كان ملف إيران النووي عنواناً لحزم مختلفة من العقوبات الأميركية، غير أن إيران أنجزت كل ما أنجزته من تقدم علمي ونووي وصناعي واجتماعي وثقافي وعسكري في ظل العقوبات المفروضة، وأما روسيا فمنذ نشوب الأزمة في أوكرانيا عام 2014 وما قبلها والأميركيون يفرضون العقوبات تلو العقوبات عليها لإجبارها على تقديم التنازلات السياسية في ملفات عديدة، لكن حضورها على المسرح الدولي تزايد واتسع اكثر فأكثر رغم العقوبات الأميركية والغربية وقد حققت الكثير من الانجازات العسكرية والاسترتيجية في هذا الجو من العداء الأميركي والغربي لها.
يمكن تصنيف قانون سيزر في نطاق الحرب الاقتصادية الأميركية على سورية وحلفائها على حد سواء، وهو امتداد لحرب الثماني سنوات التي واجهتها سورية بمؤازرة هؤلاء الحلفاء، ومعلوم هنا ان الحرب شارفت على نهايتها دون أن تحقق واشنطن أهدافها المعلنة على الأقل وهي مضطرة للانسحاب، وليس مضموناً لواشنطن أن تربح هذه الحرب بسبب قدرة سورية وحلفائها على الصمود والمواجهة ولدى كل جزء من هذا المحور مقومات بشرية ومادية كبيرة تمكنه من الصمود وتحقيق الانتصار مجدداً، وإن كان الأمر لا يخلو من بعض المتاعب والصعوبات إذ لا يوجد خيارات أخرى سوى الصمود ومقاومة العقوبات وتحويلها إلى فرصة لاستنهاض مكامن القوة لدى كل دولة، وثمة ما يصب في مصلحة سورية وحلفائها، إذ ان الولايات المتحدة تفرض عقوباتها أيضا على الكثير من دول العالم، ما يجعل الكثير من هذا الدول مهيأ بشكل عفوي للتعاون مع روسيا وإيران وسورية من موقع المستهدف أميركياً، لدرء مخاطر العقوبات الأميركية التي لم تستثن أحداً.
ما يضعف القانون الأميركي أنه أحادي الجانب ويخالف القانون الدولي والشرعية الدولية، ويعبر فقط عن نهج استعماري للولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد الدول المستقلة التي تناهض سياسات الهيمنة والعدوان حول العالم، وقد لا تجد أميركا شركاء فاعلين يتعاطون معه باستثناء بعض المحميات النفطية التي لا قرار لها، ولعل رفض الدول الأوروبية الخروج من الاتفاق النووي مع إيران رغم خروج واشنطن منه وتمسكها بمصالحها مع إيران مثال منطقي للقياس عليه فيما بخصوص القانون الأميركي الجديد ولا سيما أنه يستهدف روسيا وإيران، وأغلب الدول الغربية ودول شرق آسيا ودول أخرى كثيرة لا مصلحة لها في تنفيذ الأجندات الأميركية التي قد تلحق الضرر فيها.

عبد الحليم سعود
التاريخ: الثلاثاء 5-2-2019
الرقم: 16902

 

 

 

 

 

آخر الأخبار
تعاون اقتصادي وصحي بين غرفة دمشق والصيادلة السعودية: موقفنا من قيام الدولة الفلسطينية ثابت وليس محل تفاوض فيدان: الرئيسان الشرع وأردوغان ناقشا إعادة إعمار سوريا وأمن الحدود ومكافحة الإرهاب رئيس مجلس مدينة اللاذقية لـ"الثورة": ملفات مثقلة بالفساد والترهل.. وواقع خدمي سيىء "السكري القاتل الصامت" ندوة طبية في جمعية سلمية للمسنين استعداداً لموسم الري.. تنظيف قنوات الري في طرطوس مساع مستمرة للتطوير.. المهندس عكاش لـ"الثورة": ثلاث بوابات إلكترونية وعشرات الخدمات مع ازدياد حوادث السير.. الدفاع المدني يقدم إرشادات للسائقين صعوبات تواجه عمل محطة تعبئة الغاز في غرز بدرعا رجل أعمال يتبرع بتركيب منظومة طاقة شمسية لتربية درعا حتى الجوامع بدرعا لم تسلم من حقد عصابات الأسد الإجرامية المتقاعدون في القنيطرة يناشدون بصرف رواتبهم أجور النقل تثقل كاهل الأهالي بحلب.. ومناشدات بإعادة النظر بالتسعيرة مع بدء التوريدات.. انخفاض بأسعار المحروقات النقل: لا رسوم جمركية إضافية بعد جمركة السيارة على المعابر الحدودية البوصلة الصحيحة خلف أعمال تخريب واسعة.. الاحتلال يتوغل في "المعلقة" بالقنيطرة ووفد أممي يتفقد مبنى المحافظة الشرع في تركيا.. ما أبرز الملفات التي سيناقشها مع أردوغان؟ بزيادة 20%.. مدير الزراعة: قرض عيني لمزارعي القمح في إدلب تجربة يابانية برؤية سورية.. ورشة عمل لتعزيز الأداء الصناعي بمنهجية 5S