من السذاجة بمكان أن يعتقد البعض سواء عن حسن نية أو سواها بأن ثمة رغبة لدى الولايات المتحدة في القضاء على داعش، ذلك لأن تصرفات القادة الأميركيين تعطي مؤشرا خلاف ذلك، بل أنها تشكل عقبة تعرقل محاولة سورية في إلحاق الهزيمة المطلقة بهذا التنظيم الإرهابي.
كما وأنه من السذاجة بمكان أيضا قيام أي اعتقاد بأن الوجود الأميركي في سورية سيحول دون عودة تفعيل هذا التنظيم، ذلك لأن من ينظر إلى خارطة سورية وأماكن الوجود للقواعد الأميركية والمجموعات المتطرفة من أمثال داعش وأتباعها يبدو له بشكل جلي بأن الوجود الأميركي في المنطقة هو العامل الرئيس والوحيد لوجود واستمرار داعش. وفضلا عن ذلك لا توجد أي منطقة نفوذ لداعش في أي موقع تسيطر عليه الدولة السورية بعد أن استطاع الجيش السوري إلحاق الهزيمة بهم، لكنهم وجدوا الملاذ في المواقع التي يصول ويجول بها الأميركيون والمرتزقة من أتباعهم.
لا ريب بأن وجود داعش في المواقع التي تسيطر عليها القوات الأميركية يخلق الكثير من التساؤلات فيما إذا كانت تلك القوات وحلفائها عاجزة بما تملكه من قوة على إلحاق الهزيمة بفلول داعش الموجودة على مقربة منها، أم أنها تتعمد الإبقاء على هذه المنظمة الإرهابية ودعمها بغية اعتماد وجودها ذريعة لإبقاء قوات أميركية في هذا البلد؟
أثبت الواقع بأن مطايا الولايات المتحدة في شمال سورية وشرقها (الذين أطلقت عليهم تسمية قوات قسد) يفتقرون إلى القدرات التي تمكنهم من الاحتفاظ بمواقعهم دون دعم ومساندة من واشنطن مما يجعل طموحاتهم السياسية في مهب الريح.
وثمة تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأميركية يؤكد بأن المرتزقة المحليين الذين تدعمهم الولايات المتحدة في سورية لا يستطيعون منفردين التغلب على داعش، وأنهم بحاجة مستمرة إلى دعم يتلقونه من واشنطن. وفي هذا السياق، يلاحظ بأن المسلحين من الأكراد الذين سيطروا على بعض المواقع في شمال وشرق سورية يفتقرون بشكل عام إلى المؤهلات العسكرية والاقتصادية التي تمكنهم من احكام سيطرتهم على المناطق التي استحوذوا عليها دون تلقيهم الدعم الدائم من القوات الأميركية في الحين الذي تمكنت به الدولة السورية من إحكام سيطرتها على المواقع التي استعادتها واستطاعت منع داعش أو غيرها من العودة إليها.
لقد بات من الواضح بأن الولايات المتحدة تسعى جاهدة إلى جب أي تواصل أو علاقات طبيعية بين العراق وسورية تحسبا مما يمكن أن يحصل جراء وحدة هذين البلدين. كما وأنها تبذل المساعي الحثيثة لعزل إيران وعدم حدوث لقاء بينها وبين دول الجوار. وبذلك تكون تلك هي الأسباب التي حدت بها إلى المساهمة في إنشاء داعش ومن ثم دعمها ومساندتها لتقف في وجه أي تقارب بين سورية والعراق وإيران ذلك الأمر الذي يحقق مصلحة حليفتها إسرائيل.
ينظر البعض في الولايات المتحدة إلى ما أعلنه ترامب من انسحاب للقوات الأميركية من سورية ومن ثم اختلاق المبررات والذرائع للعودة عن هذا القرار باعتباره صراع بين البيت الأبيض والبنتاغون. لكننا نرى في ذلك إما دليلا على الاضطراب الحاصل في السياسة الخارجية الأميركية أو أنه نوع من الاستراتيجية الأميركية الجديدة التي نهج إليها ترامب.
نهجت تركيا إلى إتباع سياسات حمقاء في تعاملها مع الأزمة في سورية، حيث تتأرجح في سياساتها بين التعامل مع الاتحاد الروسي ومحاولة استرضاء بوتين وبين تمتين روابطها مع الولايات المتحدة. وبتقديرنا فإن ما تمارسه من تذبذب في العلاقات وطموحها في احتلال مناطق سورية سيودي بها إلى عواقب وخيمة ذلك لأنها في الأحوال التي تنسحب بها أميركا من المنطقة ستكون قواتها مكشوفة لضربات توجه لها من الجهات التي ترفض وجودها في المنطقة الأمر الذي يسهل القضاء على تلك القوات والحاق الهزيمة بها.
تبدي أنقرة رغبة في خوض حرب بالوكالة عن الولايات المتحدة في سورية، لكن دورها هذا يبقى مرفوضا لدى مختلف الفرقاء وسيودي بها إلى منزلقات خطيرة لا قبل لها بها.
إن الزمن الذي كانت تطمح به الولايات المتحدة وعملاؤها المأجورين للإطاحة بالحكومة السورية قد مضى وانقضى وفشلت كافة المحاولات الرامية إلى ذلك، لكن ما زالت بعض الجيوب في حوزة داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية التي تظهر بين فينة وأخرى لترتكب جرائمها على الأرض السورية.
تحتل الولايات المتحدة منطقة التنف التي تقع على الحدود السورية- الأردنية- العراقية مدعية أن بقاءها يهدف إلى منع إيران من التواصل مع سورية وحزب الله. لكن الواقع يؤكد بأن وجودها يفسح المجال لداعش بالبقاء والاستمرار وتلقي الدعم.
لا ريب بأن الأوضاع في شمال وشرق سورية معقدة نتيجة لتعدد الأطراف التي يسعى كل منها لتحقيق مصالحه، إلا أن السوريين بما يملكونه من تصميم وقدرات وإيمان بقضيتهم سيتمكنون من دحر المعتدين أنى كانت مشاربهم، ولن نلبث أن نرى سورية تعود أفضل مما كانت عليه في السابق، ولنا وطيد الأمل أن يتحقق هذا الأمر في القريب العاجل.
ليندا سكوتي
التاريخ: الثلاثاء 12-2-2019
رقم العدد : 16907