لاحظ معظم المحلللين الجيوسياسيين أن ثمة إصراراً من قبل إدارة ترامب على إنشاء تحالف عسكري في الشرق الأوسط باسم «الناتو العربي» والذي طرح لأول مرة بشكل علني في عام 2017، أثناء زيارة رسمية قام بها دونالد ترامب إلى الرياض. وتلا ذلك إبداء العائلة المالكة السعودية رغبتها بعقد اتفاق أمني توقع عليه الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة في المنطقة. وما إن مضت سنة واحدة حتى شهدنا واشنطن تروج لهذه الفكرة عبر نقاشات تجريها مع القوى الاقليمية وتدعو خلالها إلى انضمام قوى عربية للانخراط بالملف السوري، ومتابعة أجندة مجابهة إيران والإرهاب الراديكالي (كما لو أن بينهما شيء مشترك).
وعلى الرغم من تمسك واشنطن بتلك الفكرة على الورق، فإنه على مدى العديد من السنوات قد تبين بأن أغلبية دول الخليج التي تعتبر نواة التحالف الاستراتيجي الشرق اوسطي قد تلطخت سمعتها بمشاريع رعاية الإرهاب. كما تبين بأن المملكة العربية السعودية قد انفقت حوالي 100 مليار دولار في الترويج للفكر الوهابي. وعلاوة على ذلك، فقد بات معلوما المساعي التي تبذلها كل من الرياض وأبو ظبي في زعزعة استقرار كل من اليمن وليبيا وسورية ولبنان. لذلك فإن ما يثير الاستهجان والاستغراب أن نرى واشنطن تطلق شعار الترويج لتحالف استراتيجي عربي تقوم أهدافه على مجابهة الإرهاب والتطرف والعدائية بكل مظاهرها وأشكالها!.
تتوقع واشنطن أن ينضم للتحالف كل من الأردن ومصر وست دول خليجية (البحرين، قطر، الكويت، الإمارات، عمان، والمملكة العربية السعودية). لكننا نرى أن ذلك ليس سوى تطلعات تطمح إلى تحقيقها ولاسيما في ضوء ظهور العراقيل التي تشكل عقبة في تشكيل هذا التحالف، إذ ثمة نزاعات قائمة بين السعودية والإمارات من جهة، وبين السعودية وقطر من جهة أخرى. وعلى الرغم من استضافة الدوحة لأكبر قاعدة عسكرية في المنطقة، إلا أنها لا تزال تعامل كدولة منبوذة من قبل الدول المجاورة الأمر الذي دفع بقطر لاتخاذ خطوات حيال تحسين علاقاتها مع إيران. أما عمان فإنها تلتزم بحياديتها، بينما تواجه الكويت والبحرين أوقاتا عصيبة نتيجة التزام كل منهما بتقديم 200 عسكري لدعم التحالف الاستراتيجي الشرق أوسطي. لا شك بأن الدول المستفيدة من هذا التحالف واللاعبين الرئيسيين يتمثلون في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات والولايات المتحدة الاميركية.
وفي شهر تشرين الثاني الفائت، استضافت مصر أكبر فعالية للتدريبات العسكرية المشتركة في الشرق الاوسط والتي تدعى درع العرب 1 بمشاركة ثماني دول عربية بالإضافة إلى وسائل إعلام إقليمية وصفت تلك الاستعدادات باعتبارها مرحلة تمهيدية لتشكيل ما يسمى «الناتو العربي».
وعلى الرغم من احتجاجات واشنطن اللاذعة وامتعاضها مما يحدث فإن كلا من الكويت وعمان وقطر مازالت تحافظ على العلاقات الودية مع طهران، وإذا ما تم انضمام تلك الدول للتحالف الاستراتيجي العربي المزمع إنشاؤه فلا ريب بأن الامر سينتهي إلى صراعات وخلافات بين بعضهم البعض.
إن ما يثير الدهشة والاستغراب أنه قبل حوالي أربع سنوات أعلنت السعودية إنشاء أكبر تحالف يناهض الإرهاب حيث أعدت قائمة بالدول المشاركة، لكنه لم يتشكل على أرض الواقع منذ ذلك التاريخ حتى الآن.
في الآونة الأخيرة، أعلن أنتوني زيني الجنرال في مشاة البحرية المتقاعد والذي شغل منصب الرئاسة للقيادة المركزية الأميركية المكلف بصفة مبعوث إدارة ترامب لحل الخلافات القائمة بين واشنطن وقطر عن استقالته من وزارة الخارجية الأميركية، ويعتبر رابع جنرال يغادر منصبه في إدارة ترامب الأمر الذي يعطي مؤشرا عن عدم نجاعة الناتو العربي الذي تزمع واشنطن على إنشائه.
لقد حاول زيني حمل الدوحة على القبول بدعم الأجندة التي تعدها واشنطن، في الحين الذي لا تزال (قطر) محاصرة من قبل حلفاء أميركا في المنطقة، لذلك انتهى إلى قناعة تامة بعدم جدوى المحاولات لرأب الصدع القائم نتيجة عدم الاستعداد والرغبة لدى القادة الإقليميين بالسير في هذا الاتجاه.
وثمة من يقول بأن أنتوني زيني كان يعتبر قريبا من وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون ومن ثم حاول الاقتراب من الوزير الجديد مايك بومبيو. لكنه لم يفلح في ذلك.
علاوة على ذلك، سجلت المفاوضات مع مصر والأردن والعراق بشأن انضمامهم إلى التحالف الشرق أوسطي فشلا في التوصل إلى النتائج المرغوبة. كما وأن وسائل الاعلام قد أكدت فشل مهمة زيني في حل النزاع القائم بين قطر والسعودية، ويضاف إلى ذلك بأن زيني نفسه قد أقر بفشل مهمته في التخفيف من التناقضات القائمة بين قطر وجيرانها، وأن مهمته قد اصطدمت بجدار صلد. لكن بدا بأن وزارة الخارجية الأميركية تحاول التقليل من أهمية استقالة زيني في الحين الذي يعتقد به كل من بومبيو وبولتون وكوشنير بإمكانية التوصل إلى حل لهذه المعضلة.
يرى بعض المحللين السياسيين عدم وجود بديل للجنرال زيني للقيام بتلك المهمة لأن له تقديره وعلاقاته البناءة مع سائر دول الخليج. ويقول بعض منهم بأنه جرى تحول كبير في القيادات الرئيسة في حقبة ترامب، حيث يؤكد الواقع بأن أكثر من 20 مسؤولا كبيرا في إدارة ترامب قد استقالوا من مناصبهم. ووفقا لمعهد بروكينغ فإنه من المحتمل أن يصل عدد من تخلوا عن مناصبهم إبان رئاسة ترامب نسبة 65%.
لا ريب بأن استقالة زيني تعتبر صفعة لأجندة واشنطن حيال الشرق الأوسط، لكون ذلك سيقضي على فرصة عقد قمة تتعلق بالناتو العربي في المستقبل المنظور، مما يحول دون تنفيذ خطط واشنطن في تشكيل تحالف مناهض لإيران.
New Eastern Outlook
ترجمة: ليندا سكوتي
التاريخ: الجمعة 22-2-2019
الرقم: 16916