تحت عناوين استعمارية بائدة تتدخل فرنسا في سورية، منها زعم مواصلتها جهودها في مكافحة الإرهاب، والتعبئة لحماية السكان المدنيين، ومكافحة الإفلات من العقاب والتذرع باستخدام سلاح كيميائي، وإن تحدثت عن الحل السياسي، فشروطها تسبقها، ورؤيتها حل متفاوض عليه يحقق مصالحها.
فبعد يومين فقط من إعلان ترامب انسحاب الولايات المتحدة الانسحاب من سورية، أعرب الرئيس الفرنسي عن خيبته بمرارة بينما لم ترفّ له عين على الجرائم التي ارتكبتها قواته تحت راية واشنطن في الحرب على سورية، وشهر هنا شعار الدفاع عن ميليشيا قسد. فبدأ الرئيس التركي أردوغان – في نوع من التمثيلية – يهدد فرنسا ونشرت وكالة الأناضول التركية الرسمية يومها خريطة القواعد العسكرية للجيش الفرنسي لأن فرنسا قررت أن تمهد للإعلان الرسمي عن وجود قوات لها في سورية، على لسان مسؤول فرنسي اعترف على المكشوف أن نحو 200 جندي فرنسي ينسقون مع قسد بعد أن كانت تحافظ على سرية وجودها العسكري، لنفي التقارير الغربية التي تفيد بأن قوات فرنسية قد سقطت مراراً في أيدي جنود سوريين.
فمنذ بداية العدوان الأنغلوسكسوني على سورية في عام 2015م، وحتى قبله منذ عام 2011 عملت فرنسا بجد لإنشاء دويلة كردية في الشمال والشمال الشرقي من سورية، وشرح الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند هذا المشروع في الأمم المتحدة.
وفقاً لتلك الخريطة بتاريخ 28 -12- 2018، توجد تسع قواعد عسكرية فرنسية سرية، بما في ذلك واحدة شمال منبج.
ووجود الجيش العربي السوري حوالي منبج لصد النيات العدوانية التركية، يرجح أن تجد القوات الفرنسية نفسها بسرعة محاصرة، وعلى خط النار معه، في الوقت الذي أصر فيه تييري مارياني، وزير النقل الفرنسي السابق ومرشح الائتلاف الوطني للانتخابات الأوروبية، في مقابلة مع فرانس آنفو على ضرورة استعادة العلاقات الدبلوماسية مع سورية لحل، مشكلة (الإرهابيين) الفرنسيين على الأراضي السورية، من بين أمور أخرى، وأدان مارياني موقف الحكومة الفرنسية تجاه دمشق، ولا سيما العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وخاصة – حسب قوله- أن الدول الأوروبية الأخرى لن تتخلف عن الركب مستشهداً بـ» في كانون الأول الماضي، تمت إعادة طلاء السفارة الإيطالية والسفارة الإسبانية في دمشق». بعبارة أخرى، تستعد البلدان الأخرى لاستئناف العلاقات الدبلوماسية. يقول: ماذا سنفعل، هل سنكون آخرهم؟ و»إذا كانت لنا علاقات دبلوماسية مع سورية، فإن مشكلة (الإرهابيين) الفرنسيين يمكن حلها، وأن يحاكموا على جرائمهم. هذا ما يحدث مع العراق، وهذا ما يجب أن يحدث مع سورية»!
ولم يتطرق إلى أن على فرنسا التوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية لسورية والتوقف عن دعم الإرهاب، حيث إن فرنسا هي على رأس تلك الدول التي شاركت في الهجمات الإرهابية في سورية.
لقد قامت فرنسا بتجنيد 1200 جندي لدعم داعش واستهداف سورية ضمن التحالف الغربي، ويذكر أن جيش الاحتلال الأميركي وعدده ألفا عنصر في سورية يعتمد على نطاق واسع على القوات الفرنسية في كل من الشمال والشمال الشرقي منها حيث مازالت القواعد الفرنسية توفر التدريب، وتقدم الأسلحة، إلى الشرق، وعلى وجه التحديد ريف دير الزور، حيث تدعم باريس تحت وصاية الولايات المتحدة قسد واعش معاً.
وفي دير الزور على وجه التحديد، واصلت المدفعية الفرنسية القصف طوال الشهرين الأخيرين من عام 2018 لهجين للسماح لقسد وداعش بلعب لعبة القط والفأر، وضمان الظرف المناسب لتهريب النفط من هذه المنطقة إلى تركيا والعراق. باختصار، على الرغم من إعلان انسحاب القوات الأميركية من سورية، والتي لن تذهب بعيدا جدا فهي باقية (في العراق)، فإن فرنسا تريد البقاء ومواصلة عملياتها. والذريعة داعش وتفرعاتها، والتي وفقاً لوزير الدفاع الفرنسي، «قد تعود إلى الظهور في العراق وسورية».
والجاهل وحده من يصدق هذا الكلام الذي تروج قصصه في وسائل الإعلام الغربية، لأن إرهابيي داعش يتم اجلاؤهم في مروحيات من «التحالف» إلى أفغانستان وغيرها وخاصة القادة الرئيسيين لداعش، ولو تركتهم أميركا للجيش العربي السوري وحلفائه في المقاومة فإن الأمر لا يتطلب سوى بضعة أسابيع كي تمحى داعش تماما.
على حين تواصل فرنسا الدفاع عن وجودها العسكري غير الشرعي في سورية بحجة الاضطرار إلى محاربة داعش وبدلاً من الدولة السورية التي تقاتل هذا التنظيم الإرهابي منذ ثماني سنوات، بالتزامن مع توقع محللين كثر بـ»عودة» أعمال تتعلق بالإرهاب على الأراضي الفرنسية في الأيام المقبلة، لتبرير بقاء التدخل في سورية. وثمة منهم من ينصح باريس بالتمتع بالحس السليم وإلا فإن الصدام سيكون حتمياً بين فرنسا من جهة والجيش العربي السوري وحلفائه من جهة أخرى… وخاصة أن قواتها الغازية في سورية لطالما قصفت مناطق معينة بطريقة غير مشروعة، وقتلت مدنيين سوريين بالشراكة مع أميركا، ولا ينتبه ماكرون إلى قول ديغول إن الأميركيين ليس لديهم أصدقاء، فقط مصالح!
عرابو الإرهاب في تل أبيب هم الذين يريدون تدمير المنطقة ويدرك الفرنسيون تدريجيًا أن مصدر مصائبهم هو الاحتلال الإمبريالي – الصهيوني شأنهم شأن البلدان التي تعرضت له! وهذا الوعي الذي يزداد في فرنسا يجبر الأوليغارشية المجتمعية الفرنسية على مضاعفة اتهامات معاداة السامية ضد المواطنين الفرنسيين الذين يقاتلون للدفاع عن حقوقهم واستقلالهم إزاء الطبقة المفترسة التي تحتكر كل الثروة والسلطات.
تُرى كيف سيرحل الجنود الفرنسيون الغزاة من المناطق التي يوجدون فيها؟ ينصح بعض الفرنسيين حكومتهم (أو صبي الإيليزيه) كما يحبون أن يسموا رئيسهم بأنه : «يبقى أن نرمي السلاح وأن نذهب إلى جيش سورية» ولكن هيهات لأن ماكرون سيناور باسم الصداقة الفرنسية الثابتة لمستعمرة إسرائيل منذ غولدا مائير إلى نتنياهو، ما يجعله في أسوأ الخيارات، فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان يريد أمس معرفة موقف روسيا إذا قصفت أهدافًا سورية وإلغاء زيارته من قبل روسيا هو إجابة واضحة عن سؤاله! حيث إن ترامب سينسحب في نهاية المطاف من سورية عاجلا أم آجلا، ولكن ربما يشن معركة ضد سورية وتوسيع نطاقها سيعتمد على نتنياهو، وينصح فرنسيون وزير خارجيتهم لو دريان أنه من الأفضل أن يعتني بحديقته بدلاً من سورية.
أخيراً :ما يمكن أن تفعله القوات الفرنسية هو نقل أمتعتها دون أن تنسى أن تأخذ معها الإرهابيين الفرنسيين المعتقلين في سورية، والذين تطالب لهم بلجيكا بلسان رئيس وزرائها شارل ميشيل بإخضاعهم للمحاكمات، مثيراً القضية في القمة بين دول الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي ناقشه مع نظيرته البريطانية تيريزا ماي الأحد الماضي والتي ترفض نداء ترامب لإعادة مقاتلي داعش إلى بلادهم، أما ماري كريستين أرناوتو من البرلمان الأوروبي فاقترحت الإعدام لهم.
منير موسى
التاريخ: الجمعة 22-2-2019
الرقم: 16916