لاأحد يملك قراءة التاريخ خارج متغيراته التي تشمل كل شيء, الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, وغير ذلك, ومما لاشك فيه أن الثابت الوحيد في العالم كله, هو المتغيرات, بمعنى آخر لاحقيقة ثابتة, ولا احد يمكنه ان يقول ها أنا اقدم لكم التاريخ الذي يجب أن يكون, هي مقاربات تصل أو لا تصل, تقترب أو لا، ولكن أفضلها, اكثرها دقة تلك التي تحاول قراءة التاريخ ضمن معطيات أحاطت به, وتحاول رسم مسار يقترب من الحقيقة مدعماً بالوثائق والمعطيات، هذا ما يمكن للمرء والمتابع أن يجده عندما يطلع على مسودة كتاب التاريخ للثالث الاعدادي الذي وضع على موقع مركز تطوير المناهج لمناقشته وإبداء الرأي به.
شخصيا منذ عدة أعوام كتبت وقدمت آراء حول طبخة المناهج التي تعد على عجل, وباسم التطوير, واغفلت الكثير الكثير من اساسيات العملية التربوية, فأطفالنا في المراحل الاولى يتم تنفيرهم من الذائقة اللغوية وثراء الجماليات, من خلال طرح نصوص عقيمة لا معنى فيها.. تم استبدال سليمان العيسى وغيره من الشعراء, بشعراء آخرين مازالوا يحبون في عالم الشعر, فجاءت النصوص نافرة منفرة, ركيكة الصياغة والاسلوب.
قد يسأل أحد ما: ألا يوجد غير العيسى؟ نعم يوجد الكثيرون, وحقهم أن يكونوا, لكن شرط تجاوزه وشرط ان نقدم الأفضل والأكثر جاذبية مما تقدمه نصوص العيسى أو حامد حسن, أو نزار قباني, أو اي شاعر آخر, هم حلقة من تاريخ الإبداع ولن يقف عندهم.. وبالمناسبة ذات يوم قال تشرشل عندما سئل عن شكسبير: تتخلى بريطانيا عن مستعمراتها, ولا تتخلى عن شكسبير وتاريخه الأدبي, ونحن بجرة قلم ونزق منسق، يحذف سليمان العيسى وبدوي الجبل, وكوليت خوري, والعجيلي.
وقبل الولوج في مسودة كتاب تاريخ الثالث الاعدادي: هل يعقل أن نعلم الطفل في الأول الابتدائي الماضي والمضارع؟ في هذه المرحلة البنية العقلية غير قادرة على تمييز الزمن تماما, وعلينا ألا ننفره من اللغة العربية من خلال هذه القواعد, كما نفرناه من خلال النصوص اليابسة التي تشبه طبخة الحصى, لابد من إعادة مراجعة حقيقية للكثير مما قدم على أنه تطوير وتحديث للمناهج.
تاريخ وحضارة
أتيح لي أن اتابع مسودة كتاب الثالث الاعدادي, أعني كتاب التاريخ وبقراءة سريعة يمكن القول: إنه لأمر جيد كما أسلفت في المقدمة أن يتم الحديث عن التاريخ من خلال المعطيات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي رافقته, وهذا يحسب لمن عمل على ذلك, ولكن ذلك لايكفي وقد يصل بنا إلى غير ما نريد, وليس تقليلا من العمل وقيمته, لابد من الملاحظات التالية حوله:
يتحدث الكتاب عن سلخ واحتلال لواء اسكندرون (ص12) ومن ثم يعقب بالجملة التالية: مع ذلك لم تفقد سورية عامة وحلب خاصة مكانتها التجارية نظرا لموقعها التجاري بين الهند.. وتحولت حركة النقل إلى.. الجملة صحيحة كحالة حياد من مؤرخ غير عربي سوري, وأنها تقول أو توحي باللامبالاة بما جرى (يعني شغلة عادية يروح عنا غيره).
(ص14) الحديث عن النقد في سورية, اشار الدرس إلى النقد العثماني الذهبي, وقال: (كل ليرة عثمانية تعادل 20 فرنك فرنسي) نعم: فرنك فرنسي, والصواب عشرين فرنكا فرنسيا, ليس هذا المهم, لكن السؤال الذي يأتي: ماذا لو بقي الاقتصاد السوري بعيدا عن التعامل بالفرنك الفرنسي وتقلباته؟
هل هذا سؤال, وماذا يحمل من دلالات ؟ أليس دعوة للمقارنة والمفاضلة بين احتلالين؟ بالتأكيد: كلاهما أسوأ من بعض (العثماني والفرنسي) وكان يمكن أن يطرح السؤال بصيغة أخرى غير تلك,في (ص15) جاء: هل تحافظ على وديعة محمد العربي؟؟ولم يتنبه المؤلفون لجملة وضعت (حذف كلمة تكساس) لا أدري إن كان وضعها مدقق ما كملاحظة لحذفها, ثم نسيت؟
وفي (الصفحة 22) كتبت كلمة (أسوء) هكذا, الصحيح: أسوأ, جاء الحديث عن مسوغات الانتداب من عام 1912م وأن فرنسا كانت تعد لذلك، ويضيف: يجب إلحاق ذلك بالانتداب, عمليا عصبة الأمم المتحدة لم تكن قد تأسست بعد ولم يكن هناك شيء اسمه انتداب, بل استعمار, جاء مصطلح الانتداب بعد تأسيس عصبة الامم المتحدة.
وفي (صفحة 24) جاء السؤال: هل استفاد المجتمع السوري مما عملت عليه فرنسا لتطوير الزراعة؟ ربما من الاكثر دقة أن يكون السؤال: هل كانت فرنسا تطور وسائل الزراعة حبا بالمجتمع السوري, أم خدمة لمصالحها؟
(ص 32) جاء: استقبل الشيخ صالح العلي بحفاوة من قبل… هل يجب أن يذكر ذلك, ولماذا لم يذكر أن الشيخ رفض أي تقسيم للبلاد على اساس طائفي, وكان ضد ما يسمى دويلة..وجاء: حول جرف صخري, والصحيح: جرفا صخريا.
(ص35) جاء: أنشأت مستشفى ميداني, والصحيح مستشفى ميدانيا.
(ص42): كان مصيره النفي فسافر إلى دمشق. ترى هل دمشق منفى لزكي الأرسوزي أم وطن, الصحيح تم إبعاده إلى دمشق, الوطن ليس منفى.
(ص 46): حررت بموجبه القنيطرة, أثناء الحديث عن حرب تشرين, والصحيح كان من نتائج حرب تشرين تحرير مدينة القنيطرة, ورفع العلم السوري في سمائها.
وفي الحديث عن المعالم الأثرية بدمشق, لابد من إعادة النظر بما جاء في بناء التكية السليمانية, والسؤال: ألا يوجد معلم اثري بدمشق غيرها هي والمشفى الحميدي؟
جاء في (الصفحة 50) السؤال التالي: هل يوجد بمنطقتك معلما أثريا؟ نعم هكذا ورد السؤال: ترى لو ان طفلا في السابع كتبه بهذا الخطأ بماذا تعاقبونه؟(هل يوجد معلم أثري) هذا الصواب.. جاء في (الصفحة 51): وقد وصف البارودي.. ترى هل يعرف الطالب من هو البارودي, (ص 52): صنعنّ والشدة جاءت بغير مكانها. في 55 جاء الحديث عن طريق الحج, ومن ثم جر مياه نبع الفيجة وتم إغفال اسم فارس الخوري عن الأمر تماما, بعد ذلك يأتي السؤال: سمي, أظن أنهم لايقصدون الفتيات بذلك إنما الجميع: سمّ أو سموا, هكذا الصواب. جاء في الصفحة 63:كان تأثيرا عظيما والصحيح: تأثير عظيم. جاء في الصفحة 64, بعد صدور قانون الاعلام: تم الترخيص لأكثر من مئتي مطبوعة, الرقم غير صحيح, ولكن اللافت أنهم قالوا: ابرزها: تشرين والثورة والبعث؟ معقول؟ هل كانت تصدر من غير ترخيص سابقا؟ وهل هذا تاريخ صدورها؟..وفي الصفحة 66 جاء: أيقن أدباؤها أهميتها, والسؤال الذي نطرحه نحن: هل كانوا بشك؟
وجاء: مجتمع واعي, والصحيح مجتمع واع. وص69: نحته نصب تذكاري, والصواب نحته نصبا تذكاريا..
كلمة اخيرة
لابد من إعادة نظر بشكل كلي بهذا الكتاب, ولاسيما بما يقدمه بطريقة غير مباشرة, مثلا جدول المقارنة بين ثلاث معارك, وأسبابها, ناهيك بالأخطاء اللغوية التي أوردنا قسما منها,فكرة طيبة أن نعيد قراءة تاريخنا بشكل مختلف, والافضل ألا نقع بمطبات القراءة الخاطئة, ولاسيما أن ثمة أعداء يتربصون بنا من كل حدب وصوب, قراءة التاريخ ليست عملا عابرا, ولا تأليف كتاب بسرعة وعلى اساس اننا نطور ونحدث.
d.hasan09@gmail.com
ديب علي حسن
التاريخ: الأحد 3-3-2019
الرقم: 16922