ثورة اون لاين: لا يحتاج التعديل الأوروبي الجزئي – كما أسموه – على حظر تصدير السلاح بجانبيه التقني والسياسي معاً إلى الكثير من التعليق أو الشرح ولا حتى التفسير، حين وافق على تزويد المسلحين والإرهابيين بمصفحات تحت ذريعة «حماية المدنيين» في مشهد نفاق جديد.
الأمر ليس من باب الطرفة السياسية، ولا هو بمعيار النكتة السمجة التي اعتدناها من الأوروبيين على مدى السنتين الماضيتين، بل هي حرفياً في نص التعديل الذي أقرّه سفراء الاتحاد الأوروبي في اجتماعهم الأخير، وهو يوازي تماماً مساعدات كيري «غير الفتاكة» للمسلحين والإرهابيين، في الشكل والمضمون، كما تطابقها في الحصيلة المتوخاة، والتي تبحث عن بوابات جديدة للتخدير السياسي، وكجرعة إضافية للإرهابيين تؤجل لبعض الوقت لحظة الاستغناء عن بعض خدماتهم.
والواضح أن الغرب في ملامسة الأبواب المغلقة، يبحث عن مخارج للتحايل السياسي تعيد رسم الخيارات، تحت مسميات تبطن في جوهرها ما تعجز بالإفصاح عنه في الشكل، وتتساوى فيه المدارس الغربية جميعها، التي تلتقي تحت عنوان صريح وهو الاستمرار في توظيف الإرهاب ما دام لم يصل إلى عتبة معاكسة المصالح الأميركية، رغم ما أظهره من مناكفة واضحة لجوهر المصالح الأوروبية، وفي المقدمة المخاوف والهواجس المعلنة صراحة من ارتداد الإرهاب والبدء برحلة العودة من حيث جاء.
فالمحاكاة الغربية للإرهاب وتوظيفه في الاتجاهين، ليست وليدة اليوم ولا تنتهي عند حدود الاستخدام المزدوج الذي طفى على السطح والذي سرعان ما ينسحب من الحلبة حين يصل إلى المنعطف الذي يجبره على تحديد خياراته المفتوحة، وهو في كل الأحوال مرهون بالمزاج الأميركي الذي يبيح هنا ويحظر هناك، حسب ما تقتضيه المصلحة الأميركية، وقبل أي شيء آخر.
ويتمترس النفاق الغربي خلف أكمته التي تفصح كل يوم عن فصول جديدة في محاكاة واقع السياسة الغربية المطعّمة بكثير من رتوش الإضافات العربية عليها، وعوداً ونصائح وطلبات وفي أغلب الأحيان توسلاً، فترسم قوساً من التباين على سطح الممارسة السياسية، ليأتي النفاق الغربي باللسان العربي وقد استطال أكثر مما هو مسموح به، ويدخل في نفق المزايدة السياسية على الغرب ذاته، ويسبقه بأشواط في الافتراء والكذب.
وإذا كان النفاق الغربي عموماً أمراً اعتيادياً في السلوك السياسي، وأحد مفاتيح المراهنة على محاكاة المصالح التي لا تعرف من المبادئ إلا ما يصلح منها لاجترار الشعارات، فإن عدوى النفاق حين تأتي بلبوس عربي تكون فاقعة في اللون من حيث الشكل، عسيرة على الهضم في المضمون.
هكذا تجاوز نفاق الإبراهيمي مثيله الأوروبي، وتفوق على أساتذته الأميركيين بدرجات، وتحول إلى ظاهرة يمكن البناء عليها والمحاججة من خلالها، فإذا كان ثمن بقائه في منصبه قد قدمه كدفعة مسبقة على الحساب، فإن البقاء فيه يقتضي تقديم المزيد، خصوصاً في هذه المرحلة التي يجول فيها الأميركي بحثاً عما يحفظ ماء الوجه لكثير من أدواته التي تتحول إلى دمى تلوك ما سبق للأميركي أن لفظه، وللأوروبي أن تعفف عنه، ومنذ حين.
ندرك أن التربية الغربية في طلب ود الإرهابيين بالطرق الملتوية ، قد تشربت داخل جلدة الإبراهيمي، وأظهرت الكثير مما أبطنه من نوازع للخدمة المجانية، لكنها لم تسعفه في أداء المطلوب الذي يأتي في الوقت بدل الضائع، وفي نزع الساعة الاخيرة من أدوار عفا عليها الزمن وتجاوزتها الأحداث.
علي قاسم