ثورة اون لاين : بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
لاتزال معايير الإعلام في مقاربة الإرهاب والتسليح هي غيرها في مقاربة موقف السياسة منه، والتي بدورها مابرحت تبازر في السوق نفسه لكن على مقاسها هي، لا كما يدعي الإعلام.
لذلك لا يمكن أن يندرج ما يقوم به الإعلام الغربي من تسريبات متواترة، وأحياناً مكثفة عن آليات تمويل التنظيمات الإرهابية في سورية، وكشف طرق إمدادها بالسلاح، لا يمكن إدراجه في إطار الصحوة التي حلت فجأة عليه.
وفي الوقت ذاته ليس من باب المصادفة البريئة على الإطلاق أن ينتشر بهذا الشكل ويعمّ في أغلب الإعلام الغربي، وتحديداً ذاك المعروف بارتباطه بمركز القرار الغربي، والأميركي منه على وجه الخصوص.
فالتركيز المتعمد في الآونة الأخيرة، وعدوى الحديث عن ذلك، يعكسان توجهاً واضحاً في مقاربات لم تكن واردة قبل ذلك، وهي ليست في إطار الموضوعية أو «الخبطة» الصحفية المنتظرة، لأن الكثير من تلك المعلومات كانت متوافرة، وبعضها على الأقل يعود إلى أشهر خلت، وهذا ما يطرح أسئلة، مثلما يثير مفارقات لا تخفى على أحد.
قد تبدو الكثير من تلك الأسئلة مشروعة، وإن لم يملك أحد الإجابة الشافية عليها، بانتظار الكشف عن الخفايا والدوافع الحقيقية التي تقف خلف هذا الانزياح في التعاطي الإعلامي الغربي مع قضية لا يمكن للحكومات الأوروبية أن تتبرأ منها.
فالاندفاع البريطاني الفرنسي لتسليح الإرهابيين، والحماسة المنقطعة النظير في الضغط على الأوروبيين الآخرين من أجل تزويدهم بالسلاح، لا يمكن أن تكون دون نتيجة على المستويات الأخرى، وبالتالي من الطبيعي ان تكون أصابع تلك الحكومات غارقة في التهمة، ليس عبر تسهيل ذلك عملياً، بل أيضاً من خلال تشجيع أطراف في المنطقة على القيام بما عجزت هي عنه بالوكالة.
لكن التدافع الإعلامي ومن مختلف المستويات، والتسابق في التركيز على الأمر، وبهذا التوقيت، لا يمكن تبرئته من خفايا الصراع الدائر على أكثر من صعيد، ولا يمكن فهمه إلا إذا أخذنا بالاعتبار ما يجري تداوله من أحاديث عن تعديلات في المهمات الموكلة للأطراف الضالعة في استهداف سورية، وما يجري ليس أكثر من فتح للنار باتجاهات محددة لتحميلها تبعات الفشل في مرحلة لاحقة.
وهذا قد يتقاطع في الشكل مع حديث وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن دعم المسلحين، باعتبارهم الواجهة الجديدة للدبلوماسية الأميركية، وإحدى الأوراق التي قد تحملها الحقيبة الأميركية للضغط والمساومة عبرها على طاولة النقاش مع الروس في المرحلة القادمة، لكن في المضمون يضمر شيئاً آخر لا علاقة له باستدلالات الشكل، حيث تتبنى رؤية مغايرة في اتجاهها وتوجه رسائل معاكسة لما يطفو على السطح، ولاسيما في تبرير التسليح الذي باتت متأكدة من وصوله بشكل كافٍ من السعودية وقطر وتركيا، ولا حاجة للتسليح الأميركي في هذه المرحلة على الأقل.
فتواتر الحديث في الصحافة الأميركية لا يمكن الخطأ في قراءة مدلولاته، ولا في الاستدلال على أبعاده، ويحمل في طياته ما يكفي لفهم ما يجري تداوله في الكواليس، وما يتم التحضير له من سيناريوهات ليست بريئة مما يتم تسريبه من انطباعات موازية عن أن الاستخدام الأميركي للإرهاب لمّا ينتهِ بعد، ولا هو خارج الحسابات الأميركية حتى اللحظة.
ما يمكن الجزم به أن الأميركيين وما رسموه من تباينات على خط التعاطي مع التسليح تحديداً، والتعرجات في تحديد الموقف منه سياسياً، تعكس السلوك الطبيعي الذي اعتدناه، وما برز منه يشي بأن كيري حتى اللحظة ليس اللاعب الوحيد في رسم الاستراتيجية الدبلوماسية لأميركا، بل على الأغلب يدير هجيناً من مسارب ومشارب عدة، وخيوطها المتشابكة في الاتجاه تعكس تخبطاً في الممارسة، وربما ارتباكاً في الترجمة العملية على الأرض.
فالمسألة المحسومة سلفاً أنه لا يمكن الفصل بين دعم الإرهاب سياسياً وتسهيل تسليحه، وبين توكيل المهمة لبعض الأدوات، والإعلام الذي يفتح بوابته لينثر الكثير من أوراقه المخبأة ليس أكثر من قوة اختبار إضافية لتسليك الطريق امام الدبلوماسية الأميركية، لإعادة رسم الأدوار وفق معطيات المشهد بأطواره المتبدلة.
a.ka667@yahoo.com