الثورة – لينا شلهوب:
خرج طلاب البكالوريا المهنية – اختصاص المعلوماتية من قاعات الامتحان اليوم، بعد تقديم مادة تقنيات الحاسوب، وقد ارتسمت على وجوههم ملامح الإحباط والتذمّر، بعد خوض اختبار وصفوه بـ”المبهم والمعقّد”، في ظل افتقادهم لأدنى مقومات التحضير العلمي خلال العام الدراسي، نتيجة عدم وجود كادر تدريسي، حيث التحق بالمدرسة ولنفس المادة أكثر من 6 مدرّسين ولم يكمل أي مدرّس الدروس الثلاثة الأولى، تاركين الطلاب في مهب الرياح دون متابعة أو تعليم.
خارج التوقعات
يقول الطالب عبد الرحمن.ك من مركز عبد الرحمن الخازن في البرامكة بدمشق: لم نفهم نصف الأسئلة، ولم نرَ أو نطلع على هذه المواضيع طوال السنة، لأننا لم نحصل على مدرّسين مختصين، فكانت الدروس النظرية شبه معدومة، والمنهاج مجهول بالنسبة لنا، فكيف يطلبون منا أن ننجح بظروف كهذه؟
و لفت الطالب حمزة العيد إلى أن الامتحان كان عبارة عن أربعة أسئلة منها ما هو مؤتمت ومنها ما هو تقليدي، لكن الأسئلة الأربعة تعتبر ثمانية بسبب نوعيتها، والخيارات الموجودة المرافقة لها من المفترض أن تكون مساعدة إلا أنها صعبة.
ويضيف زميله محمود من مركز الشهيدة الطفلة آية حبيب بالبرامكة: لا يمكن مقارنة وضعنا بزملائنا في الثانوية العامة، إذ إنهم يدرسون مع مدرسين، ويأخذون دروس دعم، بينما نحن نُعامل كأننا أقل قيمة.
الرقم (4) يشعل الجدل
بعد دقائق من انتهاء الامتحان، ضج الطلاب من السؤال الرابع الذي تحول إلى “تريند” بينهم، مطالبين بإعادة النظر به، موضحين أن امتحانات السنوات الماضية كانت أسهل، والسؤال الرابع تحديداً كان فيه فكرة جديدة نوعاً ما، لكنها ضمن المنهاج، إنما غير مألوفة، وطلابنا غير معتادين على هذا النوع من الأسئلة التحليلية.
فيما أجمع عدد من الطلاب منهم زيد ومحمد ورئيف على أن السؤال الرابع كان صعباً جداً خاصة أن الإجابة عليه تحتمل أوجه متعددة، الأمر الذي أوقع الطلاب في حيرة، كذلك مواد البرمجة والصيانة كانت صعبة، على عكس السنوات السابقة.
غياب الكوادر التعليمية
العديد من المدارس المهنية في المحافظات تعاني من نقص شديد في الكوادر التدريسية المؤهلة، خصوصاً لمواد المعلوماتية النظرية مثل قواعد البيانات، تحليل النظم، الشبكات، الصيانة، والمحاسبة وغيرها.
المهندس عيسى، وهو مدرّس معلوماتية في إحدى المدارس المهنية بدمشق يقول: للأسف لا يوجد استقرار وظيفي في القطاع المهني، وغالباً ما يتم الاستعانة بمدرسين غير مختصين، أو يضطر الطلاب للاعتماد على أنفسهم، وهذا ينعكس على نتائجهم التي باتت منخفضة تلقائياً نتيجة هذا الإهمال لاختصاص المعلوماتية.
وعدد من المدرسين تطرقوا إلى أن امتحان هذا العام حمل طابعاً تحصيلياً أكثر من كونه تكرارياً، حيث لم يعتمد على أسئلة النمط المعتاد فقط، بل دمج بين الفهم والتطبيق.
تمثيل ضئيل في الجامعات
واحدة من أبرز الشكاوى التي كررها الطلبة هي نسبة القبول المحدودة في الجامعات والمعاهد، حيث لا تتجاوز 5% من خريجي التعليم المهني.
الطالبة رزان.ح تطرقت إلى ماهية الدراسة، إذ أشارت إلى أن الطلاب يخوضون مدة ثلاث سنوات دراسة بعد الصف التاسع لهذا الاختصاص، وعند تقديم الامتحان يتفاجؤون بأسئلة صعبة ومبهمة، لافتة أن استمرار الوضع على ما هو عليه من نسيان وإهمال لطلاب هذا الاختصاص يجعل فرصة دخول الجامعة شبه معدومة، بينما طلاب الثانوي يدخلون بكل سهولة، متسائلة عن سبب هذا التمييز؟ مؤكدة: نحن أيضاً نطمح لتطوير أنفسنا.
أين العدالة؟
التمييز بين طلاب التعليم المهني ونظرائهم في التعليم العام، لا يظهر فقط في فرص التعليم العالي، بل في نوعية التعليم نفسه، والاهتمام الوزاري، والتوجيه المهني، ما يولّد شعوراً بالإقصاء لدى الطلاب.
سامي دياب، خبير تربوي، يشير إلى أنه لابد من إعادة النظر في المنهاج، ونظام القبول الجامعي لطلاب المهني، مع ضرورة توفير كادر تدريسي ثابت، وخطط دعم حقيقية، مشدداً على أنه إذا أردنا فعلاً إعداد كوادر تقنية تساهم في سوق العمل، ولا بد من توفير البيئة المناسبة لهم، وعدم تجاهل هؤلاء الطلبة، فذلك ليس فقط ظلماً لهم، إنما خسارة وطنية.
يبدو أن طلاب البكالوريا المهنية، وخاصة في اختصاص المعلوماتية، يعيشون ما يمكن وصفه بـ”التهميش الصامت”. وفي الوقت الذي تتحدث فيه وزارة التربية عن تطوير التعليم المهني، لا تزال التحديات اليومية تثقل كاهل الطلاب دون حلول جذرية في الأفق، فهل يُعاد النظر في هذا المسار؟ أم سيظل هؤلاء الطلبة يدفعون ثمن الإهمال المؤسسي؟