الثورة – رولا عيسى
يعود اليوم الإصلاح الضريبي كأحد أبرز الملفات التي تشغل الحكومة السورية في إطار مساعيها لإعادة بناء الاقتصاد الوطني بعد سنوات من الحرب والأزمات الاقتصادية المتراكمة.
ومنذ تولي الحكومة الحالية، تم تشكيل لجان متخصصة لدراسة وتحديث النظام الضريبي بما يتماشى مع احتياجات المرحلة الراهنة، بعيدًا عن التجارب السابقة التي شهدت ازدواجية في التقدير وغياب الشفافية.
وقد تم التركيز على عدة جوانب أساسية، أبرزها معالجة ضريبة القيمة المضافة وفرض نظام “الفوترة” الموحد، بهدف توسيع القاعدة الضريبية وتقليل العبء على الشرائح الضعيفة.
تساؤل
لكن، في ظل هذا الإصلاح ثمة سؤال.. كيف يمكن تحقيق توازن بين تحصيل الإيرادات الضرورية للبلاد وبين دعم القطاعات الإنتاجية المحلية؟.
يعتقد العديد من الخبراء، من بينهم الخبير الاقتصادي الدكتور فراس شعبو، أن الإصلاح الضريبي يجب أن يكون شاملاً، يتجه نحو العدالة والمساواة، ويُعفي القطاعات المنتجة ويخفف الضغط على الأفراد ذوي الدخل المحدود.
ويقول: سيكون هذا الإصلاح، إذا تم تنفيذه بفعالية، خطوة حاسمة نحو تعزيز الاستقرار الاقتصادي، وتقوية ثقة المستثمرين، وخلق بيئة اقتصادية أكثر شفافية ونزاهة.
ويتابع: يبرز الإصلاح الضريبي كمدخل حيوي لتحقيق التوازن بين تحصيل إيرادات الدولة وتشجيع الانتعاش الاقتصادي.
من هذا المنطلق، يؤكد الدكتور شعبو، خلال حديثه مع “صحيفة الثورة”، أن الإصلاح الضريبي ليس مجرد خفض رواتب، بل إعادة بناء هيكل ضريبي يعكس العدالة والشفافية، بما يتوافق مع واقع البلاد الاقتصادي الراهن .
ضمن الإصلاحات الضريبية تم اعتماد بناء لجنة الإصلاح وتوسيع القاعدة الضريبية
يقول الدكتور شعبو: تأسست لجنة مختصة تحت إشراف وزارة المالية، مع مهمة محورية، لدراسة تطبيق ضريبة القيمة المضافة وتوحيد آليات فرض الضرائب عبر “الفوترة”.
توسيع القاعدة الضريبية
الدكتور شعبو يشدد على أن الإصلاح الضريبي الحقيقي يقتضي توسيع القاعدة الضريبية، وعدم تحميل فئات ضعيفة العبء وحدها.
فبدلًا من الإسراف في فرض الضرائب على الطبقات المتوسطة ومنتجي السلع، يجب التركيز على ضريبة التصاعدية وتلك المفروضة على الأنشطة الريعية، مثل السيارات والاستيراد الكمالي.
هذا التوجه يعزز من العدالة الضريبية، وينسجم مع مرحلة التعافي وإعادة الإعمار التي تعيشها البلاد.
فالهدف الأسمى هو تخفيف تكاليف الإنتاج ودعم احتياجات القطاعات المنتجة، بما يسهم في تقليل التهرب الضريبي وتحفيز نمو الإيرادات.
نظام واضح وشفاف للقضاء على الفساد والرشاوى
أحد أبرز المعوقات التي يعاني منها النظام الضريبي السوري هو غياب الشفافية وتداخل المصالح، بحسب شعبو، كذلك وجود موظفين يستغلون الثغرات في القوانين لفرض شروط غير قانونية أو الحصول على “إتاوات” يعوق نشاط التجار ويزيد الالتباس حول الرسوم الحقيقية .
لذلك، يرى شعبو ضرورة بناء نظام إلكتروني متكامل يسمح بتقديرات واضحة وموحدة، بما يعزز نزاهة الجباية، ويكسر أطماع “المتنفذين” الذين كان لهم نصيب من الإعفاءات والاستثناءات في النظام المخلوع.
إعفاءات
وحول دعم القطاعات الإنتاجية و الإعفاءات يرى شعبو أنه لا يمكن تحقيق نظام ضريبي عادل إلا عبر إعفاء القطاعات المنتجة والتوزيع غير المباشر للدخل.
فهو يتوقع تصاعد الضرائب على الأنشطة الريعية والمستوردة، مع منح امتيازات وإعفاءات واضحة للزراعة، والصناعات المحلية الأساسية، وتلك المرتبطة بإعادة الإعمار .
كما يؤكد أن تقليل العبء الضريبي على السلع والمواد الخام المرتبطة بالإنتاج المحلي سيحفّز الاستثمار ويقلل من احتكار السوق.
وفي مقارنة بالنموذج المصري وأهمية التقدير الواقعي للتكاليف، يشير شعبو إلى تجربة مصر كنموذج فريد في تطبيق ضريبة صالحة للتحصيل وتحفظ مصالح المستثمرين والدولة معاً، فالدولة المصرية ركزت على فرض ضرائب يمكن تحصيلها بفعالية، مع تسهيل النظم التشغيلية للمستثمرين .
وبحسب شعبو، في سوريا، يكمن الخلل في غياب آلية تقييم واضحة للتكاليف الحقيقية، خاصة عند تسعير الدولار والكلفة الفعلية للطاقة، التي تعد في المدن الصناعية السورية أعلى بثلاثة أضعاف عنها في الدول المجاورة . ولذا، يدعو شعبو إلى إنشاء هيئة فنية تتبع عدة وزارات لتوحيد التسعير ومراقبة الكلف، ما يسهم في ضبط الأسعار وتحديد هوامش ربحية معقولة.
وعن تعزيز ثقة المستثمرين يلفت شعبو إلى أهمية وضوح النظام الضريبي للمستثمرين، بحيث لا يعتمد على تعليمات شفوية أو متساهلة، وليست مرهونة بشخصية المحصل الضريبي أو موظف معين .
ويُكمل أن الانفتاح الاقتصادي بعد رفع العقوبات، بشرط وجود تشريعات حديثة، يمكن أن يعزز الثقة ويجذب رؤوس الأموال، لاسيما الخليجية منها.
وفي الخلاصة من وجهة نظر الدكتور شعبو: يمثل الإصلاح الضريبي في سوريا مسارا أساسياً لتحقيق التنمية الشاملة، ويعتمد على تأسيس هيكل ضريبي عادل وشفاف، يتصدى للفساد، يدعم الإنتاج المحلي، ويجذب الاستثمار. ويتم ذلك عبر خطوات منهجية:
1. توسيع قاعدة الضرائب بتوجيه العبء نحو الأنشطة الريعية.
2. تبني هيكل ضريبي تدريجي وتصاعدي يحفظ حق الإنتاج.
3. إقرار نظام فوترة الكتروني موحد وتقدير كلف واقعية.
4. إعفاء الصناعات والزراعة، وتخفيض الرسوم على مدخلات الإنتاج.
5. إعادة الثقة عبر قوانين واضحة وعمل مؤسسات للإشراف (مفوضية، مجلس تحكيم اقتصادي).
إذا نُفذ هذا المشروع بوضوح وفعالية، فسيتحوّل من مجرد إصلاح إلى وسيلة استثنائية لدعم إعادة الإعمار، وتحقيق اقتصاد منصف ومستدام.اليوم، يحتاج المواطن السوري أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة ثقة المواطن بحكومته، ويجب أن يتم تبني الإصلاح الضريبي كرافعة لهذا التحول، ما يمكن أن يأخذ البلاد نحو بيئة اقتصادية أكثر تنافسية واستقراراً.