الثورة- نور جوخدار
مع تغير المشهد السياسي في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، لم تتوقف روسيا عن اتصالاتها ومباحثاتها مع الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، وصولًا إلى زيارة مسؤولين روس لدمشق في كانون الثاني الماضي، وكذلك الدعوة الروسية لوزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني مؤخرا إلى زيارة موسكو للجلوس على طاولة البحث في مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين.
في كل الأوقات شددت القيادة السورية على أن “استعادة العلاقات مع روسيا يجب أن تعالج أخطاء الماضي، وتحترم إرادة الشعب السوري، وتخدم مصالحه”، مع تأكيدها على ضرورة تحقيق العدالة لضحايا الحرب الوحشية التي شنها نظام بشار الأسد.
روسيا، التي شكلت أبرز حلفاء النظام البائد، تأمل في الحفاظ على جزء من نفوذها في سوريا، سواء عبر القواعد العسكرية أو الاتفاقيات الاقتصادية التي أُبرمت خلال السنوات الماضي، مما يثير تساؤلات عدة، هل ستنجح روسيا في إعادة ترتيب أوراقها في سوريا الجديدة؟ وهل ستعترف بمسؤوليتها عن سنوات الحرب والدمار، أم تكتفي بالمساعدات والمواقف السياسية؟
وحول هذا الموضوع حاورت صحيفة الثورة الباحثة الروسية في الشأن السياسي لانا بادفان، حيث أكدت أن مستقبل العلاقات السورية- الروسية بعد سقوط نظام الأسد مرهون بجملة من المعطيات السياسية والاقتصادية الجديدة، موضحة أن موسكو تتجه للحفاظ على علاقاتها في دعم أي حكومة في دمشق باعتبارها جزءًا من استراتيجيتها للحفاظ على نفوذها في المنطقة.
وأضافت بادفان من المتوقع أن تستمر روسيا في دعم الحكومة الجديدة، مع احتمالية تطور العلاقات إلى شراكة تتناسب مع الأوضاع السياسية والاقتصادية الراهنة.
وحول الملفات المتوقع طرحها على طاولة المفاوضات في حال قبول وزير الخارجية والمغتربين زيارة موسكو، أشارت بادفان إلى أن الأمن والاستقرار وإعادة الإعمار، ستكون على رأس القضايا المطروحة للنقاش، إلى جانب العلاقات الاقتصادية، مع التركيز على تعزيز التعاون بما يضمن مصالح البلدين.
وحول سؤال عن إمكانية اعتراف روسيا بمسؤوليتها عن الانتهاكات والدمار جراء تدخلها العسكري في سوريا، أو تقديم تعويضات مباشرة للشعب السوري، أو على الأقل المساهمة في إعادة الإعمار دون استغلال سياسي، أوضحت الباحثة الروسية أن موسكو قد تفضل عدم الدخول في نقاشات حول المسؤولية عن أي انتهاكات، إذ تسعى للحفاظ على صورتها كداعم للاستقرار في المنطقة بما يعكس التزامها بمصالح الأمن والسلم.
أما فيما يخص المساهمة في إعادة الإعمار، فأشارت الباحثة إلى أن هناك رغبة روسية في المشاركة في جهود إعادة الإعمار، ولكن ذلك سيكون ضمن إطار يضمن مصالحها الاقتصادية والسياسية.. روسيا قد تسعى لتقديم الدعم بطريقة تعزز من دورها في المرحلة المقبلة.
وعن احتمالية تسليم الرئيس المخلوع بشار الأسد أو حاشيته في حال طُلب ذلك من قبل محكمة دولية أو الحكومة السورية، قالت بادفان: في حال تم الضغط دوليًا، قد تدرس روسيا خياراتها بحذر، لكنها ستسعى لإيجاد حلول تحافظ على استقرار الوضع السياسي في سوريا، دون الإضرار بعلاقاتها مع حلفائها.
وفيما يخص الأموال السورية “سواء أموال رجال النظام السابق أو أموال الدولة” المودعة في البنوك الروسية، ربطت بادفان مصير هذه الأموال بتطور العلاقات السياسية، مرجحة إمكانية إجراء محادثات حول إدارتها بما يخدم مصالح الطرفين.
وفيما يخص القواعد العسكرية الروسية في سوريا، أكدت الباحثة على أن “روسيا تعتبر وجودها العسكري جزءًا من استراتيجيتها الإقليمية، ومن المحتمل أن تبحث عن ترتيبات تضمن استمرار هذا الوجود، مع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات السياسية والأمنية.
وعن سؤال هل من الممكن أن تطلب موسكو الحصول على مساعدة من تركيا، لفتت بادفان إلى أن روسيا قد تسعى لاستثمار التقارب التركي- السوري في المرحلة المقبلة، معتبرة أن التعاون مع أنقرة قد يشكل جزءًا من استراتيجيتها للحفاظ على علاقات جيدة مع سوريا، بما يخدم مصالح جميع الأطراف.
وتبقى العلاقات السورية-الروسية في مهب تفاهمات دقيقة، وخاصة بعدما خسرت موسكو كثيرًا من أوراقها في المنطقة ولم يتبق لها سوى وجود محدود في ليبيا، لذلك تسعى روسيا للاحتفاظ بآخر ساحة حيوية لها في سوريا ولو بشروط جديدة.
