ثورة أون لاين-علي نصر الله:
يُقال إن العدالة في السماء، أي أنها لا تَتحقق على الأرض، ولا يستطيع أيّ أحد ادّعاء تَحقيقها مهما حاول وسَعى.
نُؤمن أو لا نؤمن بذلك ليس قضيتنا، لكن انطلاقاً من ثَبات وواقعية ما تَقدّم المُتصل بمسألة العدالة، تَحقيقُها من العَجز عن تَحقيقِها، نَود طَرح مُفارقة عَجيبة غَريبة تَتحقق معها العدالة ربما عن غَير قَصد ولا عن سابق تَخطيط وسَعي، إلا بالاتجاه السلبي الذي ينطوي على كثير من الأنانية ودناءة النفس، وكذلك على مَقادير أعظم من الفساد.
العدالة مَفهوم إيجابي، وقيمة أخلاقية رفيعة، غير أنّ العدالة بتوزيع ما هو رديء – مثلاً – أين تُصنّف؟ وكذلك العدالة بالتنفيذ المَرفوض أين يُدرج؟ وهل يُعد هذا الشكل من العدالة إلا إساءة للوطن؟ وكيف لنا أن نَفهمها أو كيف علينا أن نفهم ذلك؟.
كي لا نُطيل الاستغراقَ بطَرح الأفكار على نَحو نظري، ذلك لأنّ أغلبيتنا يَمقت التنظير ويَميل لقبول ما هو عَملي ومُباشر، دعونا نَتحدث بالعَملي، عن أي عدالة بالتنفيذ الرديء نتحدث؟ وعن أي عدالة يُحققها بعضنا في الإساءة للوطن، نتحدث؟.
في التنفيذ الرديء: من الأسهل علينا أن نُشير إلى مكان ما فيه تَنفيذٌ جيد – بمعاني ومَقاييس الجودة – لمَشروع أو لعمل ما، لماذا؟ ربما لأنه النادر، ولأنه نادر فإن رصده وإحصاءه أيسر وأسرع من رصد وإحصاء الكثير.
ما زلنا في النَّظري، لا لأننا نَتهيب الولوج إلى العملي، بل لأن الأمر يَستحق تَشخيصاً دقيقاً يَنطلق من القيم والواقع ليكون أكثر إقناعاً، وليُلغي احتمالات وقوعنا في التَّجني على من نَدعي أنهم يُسيئون التنفيذ، يُسيئون للوطن، وبالتالي نَتهمهم بالفساد والإفساد.
في العملي: لا بد من سَوق الأمثلة لنُؤكد وُجهة نَظرنا التي نَعتقد أن مُؤيديها هم الأغلبية الغالبة.
سنَكتفي بطرح الريكارات، الشوارع والطرق العامة، كمثال، بل كمُعضلة، تَبدو بلا حل رغم تَوفر الحلول لها، بسهولة لكن بشرط واحد لا شريك له هو أن يكون الضمير الوطني والأخلاقي عاملاً، حياً، لا مَيتاً مُستقيلاً، كما هو الحال عند جميع المُقاولين، المُتعهدين، الذين تُلَّزم لشركاتهم مَشاريع تنفيذ الطرق والأعمال الأخرى.
وطالما أننا نَتحدث عن العدالة، وقد بَدأنا بها، فمن العدالة أن نُشير ليس فقط إلى هؤلاء الفاسدين من المُقاولين، بل إلى شركائهم بالفساد من العاملين في الدولة المَسؤولين عن هذه المشاريع، “عمال، فنيون، مراقبون، مهندسون، مديرون”، ذلك أن العمل عند انتهائه هناك من سيَتسلمه بعد التدقيق بكل المُواصفات والشروط، وطبيعيٌ أن يتم رفض الاستلام إذا كان غير مُطابق لدفتر الشروط سواء لجهة المواصفات والجودة أم لجهة الزمن اللازم للتنفيذ، حيث تمّ التعاقد والتَّلزيم على أُسس واضحة مُبينة في هذا الدفتر الذي يَتضمن من بين ما يتضمن الشروط الجزائية بالبُعد المالي، للتَّأخر بالتنفيذ غرامات عن كل يوم، ولرداءة التنفيذ وعدم مُطابقته استحقاقات مالية وقانونية.
السؤال: هل هناك في أربع جهات الوطن تَنفيذ جيد “لريكارات على امتداد شارع واحد”؟ لا، لا يُوجد، فهي إما أعلى أو أخفض من المَجبول الإسفلتي!.
لماذا هذه الرداءة بما هو ليس اختراعاً؟ ولماذا تتم عملية الاستلام رغم مُخالفة الشروط والرداءة بالتنفيذ؟ من المَسؤول؟.
هل هذا فساد وإفساد أم هو إساءة للوطن والمال العام والمُجتمع؟ وهل هناك جهة ما فَكرت بالذهاب لدراسة آثار هذا التنفيذ السيء؟ أو فكرت بدراسة تَكلفته المادية لا المَعنوية على الوطن والمواطن؟ مع مُلاحظة أنّ ذلك السوء بالتنفيذ يَتسبب بحوادث مرورية، وبأضرار جسيمة بالسيارات والآليات ثَمنها ملايين الدولارات تُنفق على قطع التبديل المُستوردة!.
العدالة التي يُحققها بَعضنا على الأرض، تَتجسد بتَعميم رداءة تنفيذ الطرق والريكارات سواء التابع منها لمؤسسة الاتصالات أم لمؤسسة الكهرباء أم لمؤسسة المياه والصرف الصحي، وكذلك بتنفيذ الطُرق التي تعود بالتبعية للبلديات ومجالس المدن والمحافظات أم لمؤسسة الطرق والمواصلات العامة!.
العدالة ذاتها من جهة أخرى تَتحقق أيضاً بتَعميم الحالة الرديئة على كل المُحافظات، على جميع الأحياء الراقية المُترفة كما على الشعبيّة منها، في وسط المدينة كما على أطرافها.. لا فرقَ بين المزة والعدوي بدمشق، ولا بين المشروع السابع أو العاشر باللاذقية، ولا بين حي السبيل والأشرفية بحلب .. الخ، من يَعتني؟ من يَهتم؟ من يُحاسب؟ وبرسم من سيُوضع هذا؟.