انفضت قمة تونس على أسوأ ما بدأت به، وانقشع الغبار الذي أثارته زوابع التصريحات الخارجة من كهف التمنيات، وصولاً إلى انكفاء الطموح فيما يتعلق بالإضافات التي كان بعض المتوهمين يمنون النفس بها، وعاد الجميع إلى قواعدهم، لتبدأ مرحلة جديدة من التكهنات حول ما تحقق، وما لم يتحقق، وليشعل المعارك الهامشية والمفتعلة على الزوايا المسكوت عنها وعليها.
في الجردة الأولية التي تجمع عليها الأغلبية، أن الوضع العربي بات أكثر كارثيةً مما كان عليه، وحتى ورقة التوت التي كان يتدارى بها من الفضيحة، سقطت في أكثر المسلمات وضوحاً، وبات على فوهة بركان في التعاطي مع المسألة الجوهرية التي بقيت في أدراج المناشدات، ولم تأخذ القدس ما يتطلب أن تكونه، وبقيت حبيسة الحسابات الخارجية والإملاءات القادمة من واشنطن.
الغريب في الأمر أنَّ النقاش لم يتطرق إلى الحديث عن أخطر ما يتهدد العرب كمنظومة وكوجود، بل ظلّ مستنسخاً في جمله وعباراته، وكأنّ كل ما على الأمة من مخاطر، لا يكاد يعني المجتمعين، ولا هو في أولوياتهم، وبدت الصورة أكثر سوداويةً في الجدل الدائر حول الدولة التي ستستضيف القمة القادمة، في إشارة قد تكون الأسوأ إلى أنَّ الوضع العربي لم يعد يسمح بالمزيد من المهاترات العلنية والخفية.
وجاءت التوليفات الموازية أو المرافقة للوضع العربي لتضع المقاربة الأكثر صعوبةً في ظل هذا الانجراف الطاغي، لنيل الرضا الأميركي عبر البوابة الإسرائيلية، من خلال الحديث عما تجاوزه الزمن، وبات في العرف الأميركي وبعد قرارات ترامب مجرد حبرٍ على ورق، حيث عملية السلام المزعومة ضاعت في ردهات القرار الأميركي، وتناثرت أوراق المبادرة العربية لتكون من المنسيات، وباتت ميتةً، والضرب فيها حراماً، كما أنَّ النفخ في قربتها إجرامٌ سياسيٌّ من النوع المنبوذ والمستهجن.
في العرف السياسي والوجداني تسلقت مشاهد التملّق، لتكون جدار الوهم الذي تستند إليه الكثير من المشيخات وشبيهتها الوظيفية، حين قدّمت مقاربتها في سياق البحث عن ذرائع تخفّف من الحرج الأميركي والإسرائيلي بعد القرارات الأخيرة، وكأنّ بيان إدانة أو استنكار يمكن له أن يغيّر أو يعدّل في الكبائر التي أقدمت عليها الإدارة الأميركية، أو أن يعدّل من حدّة النظرة الدونية إلى مشهد التعاطي العربي أو المسمى كذلك.
قد يطول الحديث في التداعيات والنقاشات والاحتمالات والتفرعات المتصلة فيه، وخصوصاً أنّ الكثير من كواليس ما تمَّ وما سبقه لم يعد مجدياً النظر في تبعاته، نظراً لأن الأحداث والتطورات تجاوزتها، وباتت أمام مشهد إضافي من الهزيمة المسجلة باسم جامعة لم تعد تقنع ولا تنفع، ولا جدوى من عبثية التمسك بعباءتها، وتحديداً أنها باتت مجردة من أوراقها، وكل ما فيها هو للتغطية على خيبتها وخيبة المنظومة التي تمثلها.
في جردة حساب نهائية أو شبه نهائية.. الشارع العربي الذي لم يتوقف كثيراً عند مشاهد ما جرى، وما يجري، لم يكن ينتظر أن تحمل همومه ولا تطلعاته، أدار وجهه خارج المشهد، وبدا في موقع آخر وموضع آخر، لا تعنيه بيانات حفظها بمسوغاتها عن ظهر قلب، وسئم اجترارها الممل، على أمل أن تبزغ المواجهة المفتوحة عن فجر قوامه ومحدداته إرادة قاومت من خلالها العينُ المخرز، وكسرت قيد ومسوّغات القائمين على منظومة متهالكة وذرائعهم، والأهمُّ أنّ هذه الإرادة لم تعول يوماً إلا على قدراتها وإمكاناتها وخياراتها..!!
a.ka667@yahoo.com
بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
التاريخ: الثلاثاء 2-4-2019
الرقم: 16946