يسجل لآستنة أنها استطاعت الحفاظ على خطّ وجودها واستمراريتها، وتمكنت في نهاية المطاف أن تحفر اسمها على لائحة المنصات التي حققت خطوات لا يمكن تجاهلها بغض النظر عن مساحتها وتأثيرها، رغم الكثير من المطبات والأفخاخ السياسية، التي تعمّدت الكثير من الأطراف المتضررة وضعها، في وقت تلاقي فيه بقية المنصات صعوبة الاستمرار واستحالة البقاء.
لكن أيضاً يسجل على آستنة لائحة طويلة من المآخذ التي حالت في كثير من الأحيان دون تحقيق ما كان يراد لها، وما هو مطلوب منها، رغم حماسة الروسي والإيراني لتحقيق خطوات ملموسة، وسط تلكؤ واضح من التركي، وتحديداً حين يصرّ على ربط خيوط التراتبية مع التنظيمات الإرهابية، تبعاً لتقلبات المزاج السياسي في العلاقة داخل المشهد الدولي والاصطفافات التي يتأرجح فيها يميناً ويساراً.
بين ما سجلته منصة آستنة وما يسجل عليها، يبدو أنَّ المسار وصل إلى اللحظة التي يحتاج فيها إلى الحسم، حيث بات من الصعوبة بمكان الجمع بين المآلين، و»بقاء الحال من المُحال»، إذ لم يعد الوقت، ولا الظرف السياسي، ولا المهل، مسموحاً التذرع بها، بعد أن بدت كل الخيوط وتشابكاتها تزداد تعقيداً في ضوء التطورات الأخيرة التي شهدتها المنطقة بعد التصعيد الأميركي غير المسبوق.
فالجولة الحالية ليست مجرد رقم يضاف إلى سلسلة الجولات الماضية، وخصوصاً أنَّ الوقت يستنزفها بشكل ضاغط، وبطريقة لم يعد هناك متسع للمزيد من المماطلة في الخطوات المطلوبة، على وقع ما يتردد من معطيات ومعلومات عن جولة تسخين إضافية، تحضّر لها التنظيمات الإرهابية ورعاتها وداعموها وممولوها، بما فيها ما يتردد عن إعادة تعويم مسرحية الكيماوي بفصول جديدة.
الأخطر يبقى أن النظرة إلى آستنة لا تزال محكومة بترسبات العلاقة مع الضامن التركي، وما يستجدُّ من إضافات وفّرتها التطورات الأخيرة التي يريد النظام التركي أن يبيع ويشتري فيها المزيد من الوقت والمماطلة والتسويف والمراوغة، التي يعوّل عليها في لعبة المتاجرة بالمواقف والتلاعب بحبال المشهد الإقليمي وامتداداته الدولية، وما تمليه من شروط متنقلة تتناوب في فرضها على قاعدة من الحسابات البينية المتبدّلة.
لا نضيف الكثير إلى المقولات الرائجة، بأنّ الفرصة المتاحة اليوم أمام جولة آستنة قد لا تتكرر، وأنَّ الظرف القائم قد لا يأتي مرة أخرى، والمعضلة التي تواجهها المنصّة لا تزال تراوح مكانها ارتباطاً بالدور التركي، واللعبة التي يتقن النفاذ منها وعبرها إلى العرقلة المتعمّدة لمخرجات طال انتظارها، وفي كثير من الأحيان جاءت محمّلةً بشروط واشتراطات أضاعت ما فيها.
جردة الحساب في الجولة الحالية تبدو نهائية، لأن الوقائع تجاوزت الكثير مما كان يتمّ الرهان عليه أو التعويل من خلاله للمماطلة، ويدرك الروسي كما يعرف الإيراني، أن آستنة أمام اختبار أخير، ومعها النيات وتبعاتها، كما أنَّ لديها القرينة على ذلك، وسط يقين بأنَّ التركي لا تغيب عنه هذه الحقائق.
عقد الجولات لمجرد الانعقاد، ربما كان ينفع في وقت مضى، لكنه لم يعد كذلك، وإنّ ما كان مسكوتاً عنه من ممارسات للنظام التركي بات مستحيلاً، وأنَّ التنظيمات الإرهابية التي تختبئ خلف عباءته باتت عبئاً يثقل عليه، وحان الوقت للفصل النهائي ووضع النقاط على الحروف في مسألة لها أولويتها، ولها ما تمليه في واقع يزداد إدراكاً، بأنّ مكافحة الإرهاب كانت وستبقى الأساس والبند الذي لا يمكن لآستنة ولا لغيرها أن تعبر من دونه، وما يضاف من خارج النص أو من داخله إعادة تعويم لبيع الوهم.
a.ka667@yahoo.com
بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
التاريخ: الجمعة 26-4-2019
الرقم: 16965