يغرينا عنوانه الموشى بحلاوة طعم الشوكولا للدخول إلى عوالمه، عوالم الشاعر علاء زريقة في إصداره الجديد «شوكولا» ولكن قصائده تفاجئنا بأن الحرب وما خلفته من جراحات ما زالت تسكن حنايا روحه تحكي آلاما تغلغلت في تفاصيل الحياة وتأبى أن تغادرها، ويتضح ذلك من خلال عناوينه «أغنية أخرى للموت، جحيم آخر، روميو ميتا، ولادة قيصرية» ومنها نقتطف:
النزيل الأخير في فندق الجحيم
أتى عاريا من أي عاطفة ممكنة
جسده مصاب بحروق من الدرجة الرابعة
قلبه وحيدا كان ينبض، ولكن دمه كان متخثرا
ومعافى من أي أعراض جانبية للحنين
ومن يغوص في قصائده يجد العديد من الرموز المفعمة بالدلالات يتكىء الشاعر عليها في تقديم أفكاره حينا، وفي أحيان أخرى وعندما تشتد المفارقات الحياتية يجد في السخرية اللاذعة ملاذا له، ما يؤكد حجم الألم الذي يعيشه وهو الجندي الذي كابد ما كابده من تجارب ومعاناة يترجمها في ثنائيته «الموت والحياة»، يقول في قصيدة كيوبيد:
أتبدى بالاسم فأقر..
أتوارى بالمعنى فإذا بسلسبيل يحفر شكلي
عصا نبي على الطريق الساحلي
أتشخص بالضوء، والضوء مادة أولية لي
لولا تشظيه إلى سبعة أطياف
تنظر إلي بشحوب بعد نهار ماطر
ألعن نفسي، من أنا
كيوبيد سهمك لم يصب قلبي
خلفت من رحم جايا
كرونوس لم يزل حيث هو.. عقلي
ويغوص شاعرنا في مفارقات الحياة ومتناقضاتها والمفاهيم الجديدة التي تغزو حياة الناس والتي تفقدها الكثير من إنسانيتها وتعاطفها وقيمها، وتبعدها عن تلك المشاعر النبيلة التي نحتاجها في مؤونة حياتنا لنكمل مشوار الحياة بتوازن يعيننا على تحقيق أهدافنا من وجودنا على هذه الأرض، بعيدا عن المنافسات المدمرة والحروب القاتلة.
فأين نحن من لحظات الحب والتسامح والعيش بسلام، وأين نحن من السكينة التي تعيدنا إلى ذواتنا وعالمنا الداخلي بما يحمله من إنسانية قادرة على أن تتحدى كراهية العالم جميعه وحقده.
ويبدو أن المرأة وبحضورها اللافت هي من يسعى لرسم محاور المجموعة الشعرية «شوكولا» فنجدها تطل علينا في غير قصيدة وغير عنوان:
هلا انتزعت صورة جمعتنا معا
عن جدران ذاكرتي.. هلا خرجت الآن
أريد أن أغير ملابسي
أرتدي جسدا لم تشاركني إياه، هلا وقفت قليلا
حتى أمسح أنفاسك عن زجاج نافذتي
هلا انسكبت، لأخنق عنق الحقيقة
على لسان عقلي
هلا انحنيت، لأغلق باب قلبي خلفك
أنا لاأحبك فارحل، حتى لاتصير مني
فاسحب نصفك المنعكس على جسد مرآتي
وقل: عمت مساء
والديوان الذي جاء في 120 صفحة من القطع المتوسط، والصادرعن دار دلمون الجديدة، هو الديوان الثاني بعد ديوانه الأول «المسيح الصغير» استطاع الشاعر أن يأخذنا إلى عالم الأسطورة في محاولة لتقديم الواقع على طريقته بأسلوب شائق، وعبارات عميقة تشي بما يحمله الشاعر من ثقافة واطلاع على إرث الشعوب، معاينته لمجريات الأحداث، وما يدور في المجتمع من مفارقات يسلط عليها الضوء في دعوة للعودة إلى إنسانيتنا وإلى قيم لطالما تغنينا بها.
«شوكولا» مجموعة شعرية غنية بأفكارها ورموزها ودلالاتها، ورغم الحزن الذي نجده بين السطور، ولكنها تنتصر للحياة وتدعو إليها ولكن بمؤونة الحب والتسامح والعمل من أجل القادم من الأيام، لأن القادم هو الأجمل.
فاتن أحمد دعبول
التاريخ: الأربعاء 8-5-2019
رقم العدد : 16972