مع إعلان المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني عن مهلة 60 يوماً للدول الأعضاء بالاتفاق النووي لتنفيذ تعهداتها، تكون طهران قد أعادت الطرف الأوروبي إلى دائرة الاختبار مجدداً في محاولة منها لدفعه نحو إثبات وإظهار نواياه ومواقفه الحقيقية حيال الالتزام بتعهداته والإيفاء بوعوده، ليس هذا فحسب بل الوقوف أيضاً بوجه التصعيد الأميركي الذي بدأته واشنطن بالانسحاب من الاتفاق وما تلا ذلك من تهديدات وضغوطات وعقوبات وتحشيد عسكري في المنطقة.
الموقف الأوروبي لا يزال يتسم بالرمادية التي تصل إلى حدود السلبية المفرطة حيال الحفاظ على الاتفاق النووي والالتزام ببنوده، حيث تقف الدول الأوروبية موقف الصامت والمتفرج على سياسة الولايات المتحدة التخريبية للاتفاق، وهذا ما يفهم على أنه موافقة مبطنة على القرارات الأميركية ودعم واضح لإستراتيجية الرئيس ترامب التصعيدية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تلك الإستراتيجية التي تقدمت اهتماماتها وأولوياتها أمن إسرائيل وحمايتها والرضوخ لمطالبها وضغوطاتها.
وكان لافتا التحذير الإيراني الصريح لدول أوروبا المعنية بالاتفاق من عواقب الوقوف موقف المتفرج من انهيار الاتفاق، حيث اعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني أن انهيار الاتفاق النووي لا يشكل خطراً على إيران فحسب، بل على العالم بأسره، وهو ما يوجب على الأطراف المعنية الحفاظ عليه وتطبيقه ودفع تكاليفه.
التحذير الإيراني تزامن مع دعوة روسية للدول الأوروبية لتنفيذ تعهداتها والالتزام ببنود وروح الاتفاق وتقديم ما هو جدي حيال ذلك، الدعوة الروسية جاءت على لسان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف الذي قال إن على جميع المشاركين بخطة العمل في الاتفاق النووي تنفيذ تعهداتهم والتزاماتهم، مضيفاً أن بعض الدول الأوروبية تحاول تقديم أفكار لا علاقة بها بخطة العمل المشتركة حول الاتفاق النووي، ودعا لافروف الشركاء الأوروبيين إلى تنفيذ تعهداتهم في الاتفاق من خلال تنفيذ آلية نقل الأموال التي أعلنوها.
وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف كان أكثر حدة وانتقادا للدولة الأوروبية حيث أكد ان بلاده وروسيا متمسكتان بالاتفاقية، بينما الدول الأوروبية تتحدث بالأمر ولكنها لا تفعل شيئاً حيال ذلك، وأوضح ظريف أن بلاده التزمت بتعهداتها في الاتفاق النووي إلا أن واشنطن لم تفعل ذلك، مضيفا أن نهج الولايات المتحدة تخريبي، ويجب عدم الاستمرار فيه ودور روسيا هنا مهم جداً، وواشنطن تخلت عن مسؤولياتها في الاتفاقات الواحدة تلو الأخرى.
وكان المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني قد أعلن عن مهلة 60 يوماً للدول الأعضاء بالاتفاق النووي لتنفيذ تعهداتها، وأكد المجلس في بيان له أن إيران ستبدأ بتعليق تنفيذ بعض الإجراءات بإطار الاتفاق النووي، وهي لن تتعهد حاليًا بمراعاة المحددات المرتبطة باحتياطات اليورانيوم المخصب وباحتياطات الماء الثقيل، وذلك لمدة 60 يوماً، وختم المجلس.. عندما تلبى مطالبنا سنستأنف تطبيق هذه الإجراءات من جديد.
القوات المسلحة الإيرانية وجهت تحذيراً شديد اللهجة الى من يحاولون إضرام النيران حيث قالت على لسان المتحدث باسمها: (نحذّر الأعداء من أن أي تحرك محتمل لهم سيقابله رد من قبل الشعب والقوات المسلحة)، مؤكداً دعم القوات المسلحة الإيرانية الإجراء الأخير الذي أعلنته الحكومة الإيرانية حول الاتفاق النووي.
وكان مساعد وزير الخارجية الإيرانية للشؤون السياسية قد سلّم سفراء الدول الأعضاء في الاتفاق النووي رسالة الرئيس الإيراني، والتي تتضمن القرارات التي اتخذها المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني حول إيقاف تنفيذ بعض التعهدات.
الكرملين قال من جهته نحن الآن نرى عواقب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وانه من السابق لأوانه التحدث عن عقوبات على إيران فيما يتعلق بالاتفاق النووي.
بكافة الأحوال تبدو الأمور وكأنها تتدحرج الأمور بسرعة نحو الاشتعال، خصوصا في ظل حرب التصريحات، والتصريحات المضادة في ضوء المواقف والردود المفاجئة وغير المتوقعة من الدول الأوروبية خاصة الرد الفرنسي الذي اتسم بطابع التهديد والرفض لمواقف طهران، حيث قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنه إذا لم تلتزم إيران بتعهداتها في الاتفاق النووي فسنعود إلى نظام العقوبات.
الموقف البريطاني كان مواكباُ لنظيره الفرنسي حيث أكد وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت أن إعلان طهران «خطوة غير مرحب بها»، محذراً من أنها «إذا توقفت عن الوفاء بالتزاماتها النووية ستواجه عواقب»، يأتي هذا فيما اعتبر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن رسالة إيران (التي وجهتها للدول الأعضاء في الاتفاق النووي) كانت (ضبابية) بحسب تعبيره، قائلاً «لذلك علينا التريث والانتظار لنرى ماذا ستفعل إيران في الأيام المقبلة».
مجلس الدوما الروسي رحب من جانبه بالموقف الإيراني المستعد للحوار مع الأوروبيين مشيرًا إلى أنه «على الأميركيين إظهار ذلك أيضًا».
وحمّل مجلس الدوما الموقف الأميركي مسؤولية تعليق إيران بعض تعهداتها في الاتفاق النووي، معتبرًا أن «الموقف الايراني ليس انسحابًا من الاتفاق النووي ولكن خطوة دبلوماسية».
وأكدت الخارجية الصينية من جانبها أنه «يجب تنفيذ الاتفاق النووي مع إيران بالكامل وكل الأطراف تتحمل مسؤولية هذا الأمر»، معتبرةً أن «إيران تنفذ التزاماتها النووية بالكامل في الوقت الراهن»، ودعت الخارجية الصينية «جميع الأطراف في الاتفاق النووي مع إيران إلى الوفاء بالتزاماتها».
لا شك بأن الأمور تتطور بسرعة، خاصة مع إعلان مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون نشر بلاده حاملة الطائرات الهجومية «أبراهام لينكولن»، وإرسال قوة قاذفات إلى «منطقة القيادة الأميركية المركزية في الخليج »، وهذا ما يزيد من إمكانية الانزلاق نحو حرب شاملة، وهو ما يوجب على الدول الأوروبية الخروج من العباءة الأميركية والتغريد خارج الطموحات والاطماع والمشاريع الأميركية، وهذا لا يكون إلا بإعلان واضح وصريح للإجراءات والمواقف الأميركية يوازيه الالتزام بالتعهدات والإيفاء بكل الوعود والبنود التي نص عليها الاتفاق، وغير ذلك هو دفع نحو حرب كارثية سوف يدفع الجميع تكاليفها باهظة.
فؤاد الوادي
التاريخ: الخميس 16-5-2019
رقم العدد : 16979