هي بنات أفكارهم ليس إلا، وضعها بعض كتاب الدراما ليرونها نصب أعينهم، يبرزون فيها الحاضن الأساس لنصهم حين كان حبر يحبو على ورق، ألا وهو البيئة الاجتماعية، باحثين عن خصوبة صراعات الرأي والنزاعات السياسية والفكرية، وربما محاولة منهم الخروج من شرنقة البيئة المحلية لجذب شركات الانتاج والسباق الماراتوني الرمضاني بدليل تأجيل عرض بعض الأعمال الدرامية المنتجة العام الماضي لهذا العام..!
هو شكل آخر من الحرية أرادوا عجنها مع خميرة نتاجهم الأدبي، ليهضم عقل المشاهد العمل الدرامي الشائق، فهذه المرة لم تكن ملكات الجمال اللبنانيات بطلات المسلسل وحسب، بل البيئة الاجتماعية الخاصة بالعمل المقدم الذي لولاها لما نجح.. برأيي، فرغم الانتاج الضخم الذي خصصته الشركات المنتجة لهذا الغرض إلا أن هذه المرة التصفيق لمخيلة كتاب الدراما الذين خرجوا من جلباب الحرب والأزمات النفسية التي يعيشها المواطن السوري والعنف المتراكم فيه، مسلطين الضوء على بيئات تعيش السلم لكن في مضمونها تصارع من أجل البقاء والربحية حتى لو خسر الإنسان كرامته، فأغرت البيئة الاجتماعية اللبنانية بعض السيناريست، لتكون الورقة الرابحة في العمل الدرامي ويحل ضيفا خفيف الظل على الشاشة الصغيرة.
فمن الصراع إلى النزاع السياسي للفوز بالكرسي النيابي في مسلسل «خمسة ونص» الذي صور على أرض لبنان الشقيق، مروراً بعرض ملف النفايات وما أثاره حقيقة من بلبلة اعلامية وقضائية، في وقت لم تعر الدراما اللبنانية هذا الملف أهمية.. وصولاً إلى اجتهاد النص في إظهار فحواه وكشف الخبايا العاطفية والولوج في الشخصيات الرسمية وفضح حياتها الخاصة واظهار التناقض ما بين ما يسرب للجمهور المصفق وإعجابهم بتلاحم الأسرة.. التي هي أساساً مفككة !
في حين كان لتجار السلاح في نفس البلد والذين يصولون ويجولون ويعقدون الصفقات، في ظل غياب الدولة النصيب الأكبر في مسلسل «الهيبة» مكرساً النص «المناطقية» مظهراً تداعيات الفلتان الأمني في لبنان وما تعانيه الدولة مع العشائرية الطاغية حتى يومنا هذا.
أما ما هو مستغرب أن من تابع مسلسل «هوا أصفر» يصفه بالعاطفي، ولم نلمس كمشاهدين أي جملة عاطفية أو حتى مشهد يدغدغ أحاسيسنا..! بل كان البطل كما في النصين السابقين هو «البيئة»، وهنا كانت موبوءة بتفاصيل لاعبي القمار في الكازينو اللبناني، وكيف يعيشون حياتهم العاطفية ويأكلون لقمتهم المغمسة بالرذيلة من خلال صفقاتهم المشبوهة وانحلالهم الأخلاقي.
فضمن صراعات اجتماعية ونفسية تعيشها شخصيات العمل وتشد المشاهد وتلفت انتباهه، أبدع نجومنا كعادتهم في تمثيل نصوص معدة مسبقاً لتكون «دراما سورية لبنانية مشتركة»، رغم أن الفوارق التمثيلية والفنية والجمالية بدت واضحة مقارنة مع الممثلين اللبنانيين، فشعرنا أن هناك عملية بسترة درامية فما إن يرفعوا درجة حرارة مشاعرنا حتى يعيدنا النص إلى صقيع البيئة الاجتماعية التي بدت غريبة عنا.!
وفي نهاية المطاف.. على الكاتب أن يدلي بدلوه.. وعلى شركة الانتاج أن تختار ما يناسبها ويبرز اسمها أو ما يناسب الجو العام ويخدم السوق الدرامي إن صح التعبير.. ولكن هل أنجحت البيئة الاجتماعية المستوردة والتي لا تشبهنا العمل الدرامي من باب «سنشطح» بالخيال بعيدا ونعيش دراما الأكشن متحررين من الضمير والرقيب متخطين حدود الزمان والمكان.. حتى لو كان النص يودي بنا إلى الجحيم ويرينا أننا نعيش انفصاماً حقيقياً عن الواقع ليس إلا؟
رنا بدري سلوم
التاريخ: الجمعة 14-6-2019
رقم العدد : 17000