العجائب في الدنيا سبع ، جُمعت قائمة بأسمائها لتؤرخ إبداعاتٍ تميزت بها حضارات قديمة وتجلّت فيها قدرة الخالق في خلقه .. سبع عجائب اشتهرت على مر العصور وتوزعت في أصقاعٍ متباعدة من الأرض … أما نحن فنختلف ؛ عجائبنا جديدة متجددة .. أحبت تطور التكنولوجيا فواكبته ؛ على سبيل المثال لا الحصر و خلال خمسة أيام فقط ، شهدت منطقة بانياس وحدها ثلاث عجائب متتالية ؛ انتقل فيها جبلٌ راسخٌ من الدريكيش إلى القدموس .. واحتفالاَ به زينه أحد المواطنين المبدعين بجسرٍ من الأنوار الجميلة خلال ساعات قليلة ، كما نجح مزارع بتهجين فصيلة خاصة من النمل مع نوع من النحل لينتج عسلاً يعطي نحلاً فيه شفاء للناس ، أما أحد فلاحي قرية الجويبات التابعة لنفس المنطقة فقد دخل غينيس من أوسع أبوباها لامتلاكه دجاجة تجود بعشر بيضات في اليوم الواحد .
حسناً … سترتسم ابتسامة على وجهك عزيزي القارئ ، وإن كنت من أبناء المنطقة فقد تشوبها الكثير من تعابير الاستغراب
هذا متوقع ؛ لذا ما عليك سوى أن تمسك بهاتفك المحمول وتكتب هاشتاغ بكلمة بانياس ، لترى بأم عينك ما سبق ذكره موثقاً بأسماء أبطالنا وقراهم وتواريخ إنجازاتهم وأحداث مفصلة شملت حتى جنسيات لجنة موسوعة غينيس التي كرمت الدجاجة الأعجوبة ، ولسهولة البحث فالخبر موجود على أكثر من صفحة من صفحات الفيسبوك ؛ وجميعها حظيت بمئات الإعجابات وسيلٍ من تعليقات المهنئين والمشجعين « واللائمين» لتقصير الجهات المعنية في تثمين جهود المواطنين عالياً، وعلى الرغم من تسلل بعض التعليقات التي تضع العصي في دواليب هذه الأحداث الجماهيرية العظيمة ؛ لتصرخ بأن كاتبها ابن القرية ذاتها .. وأنه لا وجود لاسم البطل فيها حتى في حكايا أجداده ، إلا أن الطنة والرنة تطغى على صراخه .. وعجلة النسخ واللصق لا تتوقف إلا بعد عناء طويل … أو حدثٍ جللٍ جديد .
خلال السنوات القليلة الماضية تمكنت تكنولوجيا الفيسبوك من الاستيطان في بيوتنا وأخذ حيزٍ لا بأس به من نوافذنا على الخارج حالنا حال سكان هذا الكوكب الذي فُرض عليه أن يتقوقع في قرية قاصيها يعلم عن دانيها ما قد لا يعلمه عن ذاته ..
نحن هنا لا ننكر فضله بالمطلق ؛ ولا يمكن أن نتجاهل وجود صفحات مسؤولة كانت رديفة لوسائل الإعلام الرسمية المقروءة والمسموعة وأخذت على عاتقها تصحيح الكثير من الصور المشوهة عما يحدث داخل البلاد خلال الحرب ، لكننا وبعد ثماني سنواتٍ من القتال على جميع الجبهات ـ التي عهدتها الحروب ولم تعهدها ـ بات من البديهي أن نمتلك ما يكفي من القدرة على التحليل والتفكير .. والمقدرة على تمييز المنطقي من سواه ، فهامش الحرية التي تمتلكها صفحات التواصل كبيرٌ لدرجة أنها تنشر الخبر مجرداً من أهم أركانه مجهول المصدر ضبابي الهوية .. يكفيك عبرها أن تملك مجموعة من المفردات المتداولة واتصالاً بالانترنت لتنشر أخباراً وتبث إشاعات …
الأخبار التي ذكرت ليست يتيمة .. بل لعلها الأقل ضرراً_ إذا ما قورنت بأخبار التسريح وقوائم المفقودين وافتعال الأزمات المعيشية وادعاء الشلل في الكثير من المفاصل الحيوية _ لكنها تنذر بمرحلة جديدة من التفكير، أصبح فيها الناس ينساقون وراء ما يُكتب وينشر بثقة عمياء تهمش العقل وتروج لسياسة الانقياد ، والدليل الأكبر تجلى واضحاً في هجوم كل تلك الصفحات و ناشطيها على قانون الجرائم الالكترونية الذي جاء كمحاولة جادة وحقيقية للسيطرة على هذه التجاوزات.
قد نعزو الأسباب إلى بساطة من يتفاعل مع هذه الأخبار ، أو ربما لتوقنا جميعاً للفرح؛ ولأحداثٍ تبعث في النفس بصيص أملٍ أننا بدأنا نتعافى وننجز ونرمم ما دُمّر فينا وفوق هذه الأرض .. أو لمجرد التصفح والتفاعل والتضامن والتواصل ، وهناك من يذهب أبعد من ذلك اليوم في مكان ما تقصير وسائل الإعلام في نشر الأخبار وإيضاحها ما أفسح للفيسبوك مساحة واسعة ليبرز كمصدر أول للخبر … لكن الأسباب مهما تعددت نتيجتها واحدة ، تلوّح بضرورة التحرك بجدية لنشر ثقافة التحليل والتفكير والمحاكمة العقلية لكل ما نراه ونسمعه قبل أن نتخذ منه موقفاً مؤيداً كان أم معادياً أم محايداً ؛ وأهمية التوعية بأن ناشري هذه الأخبار إن لم يكن هدفهم الإساءة فهو التسلية .. وللوجهين عملة واحدة لا ضرر لها على مصدرها ولكن قيمتها تتغير بحسب وعي وثقافة وإدراك المتلقي .
لميس عدي حرفوش
التاريخ: الخميس 4-7-2019
رقم العدد : 17016