جاء الانتصار الاستراتيجي الذي حققه الجيش العربي السوري وحلفاؤه في حلب أواخر عام 2016 بفك الحصار عن المدينة وتحريرها من عشرات التنظيمات الإرهابية التكفيرية التي استولت على ريفها ومعظم أحيائها صيف عام 2012 كأكبر دليل وأعظم برهان على قدرة أبناء هذا الجيش البطل على صنع المستحيل وقلب الطاولة على رأس المراهنين على إسقاط سورية من بوابة مدينة حلب بوصفها العاصمة الاقتصادية للبلاد، ولا عجب أن سمي الانتصار في حلب بأيقونة انتصارات الجيش العربي السوري في حربه على الإرهاب بالنظر إلى موقع وأهمية حلب في الخارطة الاستراتيجية لمجمل الحرب وكذلك الحسابات الدولية والاقليمية التي ارتبطت بهذه المدينة الباسلة ولا سيما رهانات نظام الطاغية أردوغان للتسلل إلى هذه المدينة من بوابة أطماعه الموروثة عن أسلافه العثمانيين أصحاب السمعة السيئة والتاريخ الأسود.
لا ريب بأن ملحمة حلب الشهباء ستبقى في الذاكرة الجمعية للسوريين طويلاً، لكونها دخلت تاريخ الحروب الوطنية، وتربعت على عرش الانتصارات في سورية، وفتحت الباب على مصراعيه أمام انتصارات جديدة على الإرهاب في مناطق أخرى على امتداد الجغرافيا السورية سواء في الشرق أم الوسط أم الجنوب، حيث تم تحرير مدن دير الزور وتدمر وحمص والغوطتين ومنطقة حوران والقنيطرة وأرياف دمشق الجنوبية والغربية والقلمونين الشرقي والغربي والبادية، لينحسر محور العدوان والإرهاب بقضه وقضيضه في مساحة ضيقة في محافظة إدلب وبعض أطراف حماة واللاذقية وحلب.
وبإنهاء الوجود الإرهابي في درة الشمال السوري سقط المشروع الأردوغاني الإخواني في المنطقة فكانت حساباته مخالفة لغلة البيدر التي حصدها الجيش العربي السوري وخبر تركيبتها التكفيرية الظلامية وكانت له الكلمة الفصل ودحر آلاف الإرهابيين والمرتزقة الذين هرّبهم النظام التركي عبر الحدود من مختلف أصقاع العالم للاعتداء على الدولة السورية ولم ينفعهم كل الإجرام والوحشية التي قصفوا بها المدينة الآمنة ومحيطها لأن الصمود من صفات السوريين والبطولات ديدن جيشهم العقائدي الذي كتب بدماء وتضحيات رجاله الميامين في الـ 22 من كانون الأول 2016 عبارة حلب الانتصار معلناً مرحلة جديدة وانتصارات لاحقة على الإرهاب وداعميه.
المعارك التي خاضها الجيش العربي السوري بالتعاون مع القوات الحليفة والتي أفضت إلى تحرير المناطق والأحياء في مدينة حلب وريفها جاءت تتويجاً لإنجازات سطرها الجيش في مسيرة حربه على الارهاب محطتها الأولى كانت فك الحصار عن سجن حلب المركزي في أيار 2014 بعد صمود أسطوري لحامية السجن استمر قرابة عام ونصف العام وهو إنجاز مهم على اتجاه تحرير المدينة لقربه منها نحو 10 كم وموقعه قرب مدخلها الشمالي والسيطرة نارياً على شريان إمداد رئيس للإرهابيين بالمال والسلاح والإرهابيين من الأراضي التركية.
وبتحرير السجن والمنطقة المحيطة به تمكن الجيش من طرد الإرهابيين من شمال حلب لتصبح مداخل المدينة تحت السيطرة الكاملة ولم يتبق خيار للإرهابيين غير الانكفاء والتقوقع في جماعات متفرقة متقطعة الأوصال داخل بعض أحياء المدينة من دون محاور تسلل وإمداد خارج نطاق جغرافي ضيق.
تقويض مشروع المنطقة العازلة التي سعى إليها نظام أردوغان الإخواني منذ بداية الحرب العدوانية على سورية جاء عبر محطة انتصار أخرى تميزت بها معارك تحرير حلب وريفها تمثلت في فك الحصار عن مطار كويرس العسكري والكلية الجوية بالريف الشرقي في الـ 10 من تشرين الأول من عام 2015 ليشكل المطار وحاميته فيما بعد قوة إسناد أساسية في مجمل المعارك التي خاضها الجيش ضد الإرهابيين.
العمليات العسكرية التي بدأها الجيش لتطهير الأحياء الشرقية للمدينة مهدت لها السيطرة على شمال وشمال غرب المدينة مثل حيي الليرمون وبني زيد وقطع طريق الإمداد عبر منطقة الكاستيلو وصولاً إلى استعادة مشفى الكندي في الـ 2 من تشرين الأول من عام 2016 حيث مثل مرحلة فاصلة وحاسمة لإعلان المدينة خالية من الارهاب وبتكتيكات تتناسب وطبيعة الأحياء السكنية حفاظاً على حياة المدنيين تسارعت العمليات العسكرية وبدأت تكر سبحة الأحياء المحررة وسط انكسارات وتخبط للمجموعات الإرهابية التي تنتمي في معظمها لتنظيمات جبهة النصرة و «أحرار الشام» و»كتائب نور الدين الزنكي» و»الحزب التركستاني» وغيرها وتباعاً تم تحرير أحياء هنانو والحيدرية والصاخور ومحطة سليمان الحلبي لضخ مياه الشرب إثر تحرير القسم الشمالي للأحياء الشرقية والجزماتي وطريق الباب وباب النيرب والفرافرة وأغيور وكرم الجبل وغيرها وصولاً إلى إعلان المدينة خالية من الإرهاب في الـ 22 من كانون الأول من العام نفسه.
وانطلاقاً من الحرص على حياة المدنيين وبالتوازي مع الاشتباكات القوية التي كانت تدور من حي إلى آخر وضمنها من شارع إلى مدخل جادة سكنية تم تأمين عدة ممرات إنسانية من قبل الجيش والجهات المختصة لتأمين خروج الأهالي الذين اتخذتهم التنظيمات الإرهابية دروعاً بشرية ومن المشاهد الراسخة في الذاكرة خروج الأهالي أطفالاً ونساء وشيوخاً على الإرهابيين ومحاولتهم المرور عبر الممرات الآمنة وتحديهم لرصاص الإرهابيين ما أدى إلى ارتقاء شهداء بينهم.
الارتباك الذي أصاب الإرهابيين وتحدي الأهالي لرصاصهم وسرعة الانقضاض على نقاطهم المحصنة بخبرة الجندي العربي السوري وبسالته عجلت من السقوط المدوي لهم وأسدل الستار على صفحة سوداء استمرت لأكثر من 3 سنوات وأصبحت المدينة منذ ذاك التاريخ على موعد مع مرحلة جديدة من إعادة إعمار ما خربه الإرهاب.
ومع آخر رصاصة أطلقت لدحر الإرهابيين بدأت احتفالات أهالي المدينة بالتحرير الممهور ببطولات الجيش ودماء شهدائه الأبرار وصبر أهلها ودماء الآلاف من أبنائها الذين ارتقوا بقذائف وإجرام الإرهاب التكفيري ولأن الشهباء لا تموت ضجت المعامل بأصوات الآلات وما هي إلا أشهر قليلة حتى عادت مئات المنشآت إلى الإنتاج في مدينة الشيخ نجار الصناعية والقطاعات الخدمية والاقتصادية كالاتصالات والتعليم والسياحة والنقل وغيرها الكثير.
الانكسارات والتخبط الذي عاشته التنظيمات الإرهابية بعد محاصرتها وقطع طرق إمدادها والانتصارات التي يحققها الجيش في جميع محاور القتال ضد الإرهابيين سرعت في تهاوي معاقل الإرهاب في ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي حيث تمت في الـ 16 من أيار الماضي إعادة الأمن والاستقرار إلى 65 مدينة وبلدة وقرية وأرغمت التنظيمات الإرهابية على الخروج من المنطقة إلى إدلب وجرابلس بعد تسليم كل ما لديها من أسلحة ثقيلة ومتوسطة.
وبإعادة الأمن والأمان إلى مئات القرى والبلدات والمزارع تم فتح ممر أبو الضهور وتأمينه من قبل الجيش العربي السوري لاستقبال الأهالي المهجرين من منازلهم بسبب الاعتداءات الإرهابية ليشهد المعبر خلال الأشهر الماضية عودة الآلاف من المدنيين حيث تستقبلهم فرق طبية وإغاثية لتقديم اللقاحات للأطفال والخدمات الصحية الإسعافية والأدوية للمحتاجين والمواد الغذائية ريثما يصل المهجرون إلى قراهم وبلداتهم في أرياف حلب وحماة وإدلب المطهرة من الإرهاب.
دائرة الدراسات
التاريخ: الخميس 1-8-2019
رقم العدد : 17039