الثورة:
فتحت الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش تحقيقاً موسعاً في واحدة من أبرز قضايا الفساد في قطاع الطاقة بسوريا، تورّط فيها وزير نفط أسبق من عهد نظام الأسد البائد، وذلك على خلفية مشروع متعثر في منشأة غازية بريف حمص الشرقي، تسبّب بخسائر هائلة نتيجة تسرب الغاز وتوقف الصيانة رغم الحاجة الماسة لها.
تسرب يومي وقرار وزاري أوقف المشروع
بدأت القضية بتقرير فني أُنجز عقب عام 2017، كشف عن تسرب يومي يُقدّر بنحو 150 ألف متر مكعب من الغاز من إحدى محطات الضغط التي لحقت بها أضرار بالغة نتيجة تمركز تنظيم داعش وعناصر موالية للأسد داخلها خلال معارك البادية.
ورغم عرض إحدى الشركات تأهيل الوحدة المتضررة وتوقيع عقد رسمي في آذار 2018، أوقف الوزير حينها المشروع بقرار مباشر وصفه التقرير بـ”الشخصي”، متجاهلا تحذيرات فنية من خطورة الاستمرار في التوقف.
هدر بعشرات الملايين وإحالة إلى القضاء
بعثة تفتيشية متخصصة قدّرت حجم الغاز المهدر بأكثر من 46 مليون متر مكعب، ما يعادل خسائر مالية تتجاوز 4.6 ملايين دولار، إلى جانب أضرار إضافية ناجمة عن تغيّر سعر الصرف وتجميد المشروع، في وقت كانت فيه الأسر السورية تعاني من أزمة حادة في تأمين الغاز المنزلي والكهرباء.
وبحسب وثيقة رسمية مؤرخة في 19 حزيران 2025، أُحيل الملف إلى القضاء المختص وفق أحكام قانون العقوبات الاقتصادية رقم 3 لعام 2013، وشملت لإحالة المسؤول السابق بتهم الامتناع عن تنفيذ التزامات اقتصادية والتسبب في هدر المال العام، كما تقرر الحجز الاحتياطي على أمواله وأموال زوجته.
تحقيقات مؤجلة وملفات معطلة في عهد الأسد
نائب رئيس الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، الدكتور عصام الخليف، أكد في مقابلة مصورة أن القضية كانت قد فُتحت في عام 2020 بناءً على إخبار رسمي، إلا أن الوزير أُعفي من منصبه حينها قبل استكمال التحقيقات، مشيراً إلى أن الملف كان حساسًا لارتباطه بأطراف نافذة، ما استدعى الاستعانة بخبراء مستقلين لتقدير حجم الخسائر بدقة.
وأوضح الخليف أن الهيئة أعادت فتح القضية بعد تحرير مؤسسات الدولة، وأكد أن التحقيق اعتمد على وثائق وإفادات كانت معطلة من قبل مسؤولي النظام السابق، مشيرا إلى أن الحصانة السياسية لم تعد عائقا أمام المساءلة.
حملة تطهير واسعة داخل الهيئة
في سياق متصل، أعلنت الهيئة استبعاد 186 موظفا من كوادرها وفروعها في المحافظات ضمن خطة إصلاح شاملة تهدف إلى تعزيز الشفافية وتطهير المؤسسات الرقابية من العناصر غير الكفوءة أو المتورطة، كما شددت على الاستمرار في تقييم الرقابات الداخلية داخل الجهات العامة لإرساء بيئة عمل نظيفة ومهنية.
تحولات جذرية في النهج الرقابي
مصادر داخل الهيئة أكدت أن القضية تُعد واحدة من سلسلة ملفات فساد كبرى يتم التحقيق فيها حاليا، ضمن نهج جديد لا يراعي المناصب أو النفوذ، بل يركّز على مبدأ المحاسبة واستعادة ثقة المواطنين بالمؤسسات العامة، خصوصا في الملفات التي تتعلق بإهدار الموارد الحيوية في قطاع الطاقة والتموين.
عدالة مؤجلة ولكنها فاعلة
تسلّط هذه التحقيقات الضوء على جانب مظلم من الممارسات الإدارية والمالية في عهد نظام الأسد، وتفتح الباب أمام تساؤلات حقيقية عن حجم الضرر الذي لحق بالاقتصاد السوري خلال سنوات الحرب، كما تُعد مؤشرا مهما على التغيّر في نهج التعامل مع ملفات الفساد، بعدما أصبح القضاء والرقابة أكثر انفتاحا على المحاسبة دون تردد.