من البراميل والطائرات إلى السطور والكلمات… المعركة مستمرة

محمود صالح الناصيف:

لم تنتهِ معركة السوريين بسقوط نظام الاستبداد بل اتخذت شكلاً جديداً، أكثر خفاءً وخطورة، فبعد أن فشل أعداء الثورة في كسر إرادة الشعب عبر القوة العسكرية، انتقلوا إلى ميدان آخر، ميدان أكثر دهاءً وتأثيراً ألا وهو ميدان الإعلام المنظم والموجه.

لقد تغيرت أدوات الصراع وتبدلت أساليب الحرب، فغدا الاستهداف اليوم ليس عبر الدبابات والبراميل، بل عبر الكلمة المسمومة والصورة المضلِّلة التي تستهدف تشويه الدولة الوليدة المنبثقة من رحم معاناة شعب قدم أغلى ما يملك في سبيل نيل حريته وكرامته.

يركز هذا الهجوم الجديد على محاور متعددة: فتارةً يرفع شعار حماية الأقليات، وتارةً أخرى تُستدعى مفاهيم الفيدرالية واللامركزية لتفتيت وحدة القرار الوطني، وتغلف هذه الإطروحات بعبارات براقة تخفي وراءها أجندات خبيثة.

وفي أحيان أخرى، يوجه نقد ممنهج لا يستهدف الإصلاح، بل يطعن في شرعية النظام الجديد واتهامه بالعجز عن إدارة الدولة، وما يزيد المشهد تعقيداً وخطورة هو أن هذا الهجوم لا يشن فقط من بقايا النظام البائد أو من أذرع القوى الإقليمية المعادية لطموحات السوريين، بل أحياناً يبنى على ما يصدر (بحسن نية) من نقد بناء من بعض الشرفاء من أبناء الوطن الذين يحركهم الحس الوطني الصادق، والحرص الحقيقي على المصلحة العامة.

وهنا مكمن التحدي: كيف نميز بين النقد الهدام والتقويض المتعمد، وبين الذي ينبع من إرادة الإصلاح؟
وكيف نحافظ على هيبة الدولة، دون أن نحجب الحق في التعبير والمساءلة؟
نعم… النقد واجب لا ترف كما عبر عنه عبد الرحمن الكواكبي:
“النقد البناء هو الوجه الآخر من الوطنية”
ولكنه حتى يكون بناءً يجب أن يوجه في مساراته الصحيحة: أن يسلط على مكامن الضعف، أن يعري الثغرات ويفضح التقصير ويحدد المسؤوليات…
لا أن يتحول إلى مطرقة تهوي على كيان الدولة ككل أو سيفاً يسلط على رقبتها كلما زل فرد أو أخطأ موظف.

إن الواقع الذي تعيشه سوريا اليوم لا يشبه أي واقع آخر. فالدولة الناشئة لم تولد في ظل استقرار، بل خرجت من تحت الركام، وسط حطام المؤسسات وتحت وطأة مؤامرات الداخل والخارج. ولعل المقارنة هنا مع تجارب شعوب أخرى تعزز فهماً أعمق لموقعنا:
انظروا إلى الثورة الفرنسية (رغم عظمتها) كم من الفوضى والتناحر احتاجت وكم من الجمهوريات والحكومات تعاقبت حتى استقرت، أو إلى أوروبا الشرقية بعد سقوط الستار الحديدي، كم استغرق منها الزمن حتى تبني دولاً مستقرة وديمقراطيات ناضجة.

ورغم كل ذلك، فإن الحكومة الانتقالية المنبثقة عن الثورة السورية قد أنجزت ما لم تستطع أن تنجزه دول إقليمية مستقرة منذ عقود. فقد بدأت بخطوات حثيثة بإعادة هيكلة مؤسسات الدولة على أسس جديدة قوامها الحرية والعدالة والشفافية (ولو بالقدر اليسير) هذا التحول الجذري بحد ذاته إنجاز لا يستهان به، ويستحق الإشادة لا التنكر علاوةً عن إنجازاتها على الصعيد الخارجي.

إن النظام القائم اليوم لا يختصر بأشخاص أو جماعات. بل هو تجسيد حي لأفكار ومبادئ الثورة السورية. هو امتداد طبيعي لتلك التضحيات الجليلة التي قدمها السوريون خلال سنوات الألم والمقاومة. والدليل على ذلك يتجلى بأجمل صوره في التفاعل الشعبي العفوي مع قضايا المظلومين، حيث يتحرك أبناء الثورة من المواطن العادي إلى الوزير في مواجهة أي انتهاك أياً كان مصدره.

فيا أحرار سوريا… يا من صقلتهم المحن وعلمتهم الثورة كيف يواجهون الباطل بالحقيقة لا تكونوا معاول تهدمون بها جدران بيتكم بأيديكم.
لا تفتحوا الثغرات التي يتسلل منها خصومكم. وكونوا كما عهدناكم:
نقاداً أمناء يعرفون أين يوجهون سهامهم لا ناقمين يطلقونها في كل اتجاه
فالنقد ضرورة نعم…
ولكن أن يكون نقداً يقوي ولا يضعف، يبني ولا يهدم، يصوب ولا يجرّم.
أن يكون مدفوعاً بالوعي لا بالانفعال… وبالمسؤولية لا بالتشهير.

إنها دعوة للوعي… وعي فكري نابع من المسؤولية الوطنية الثورية.

“فالثورة التي لا تحمي نفسها.. تنهار تحت ضربات أعدائها أو غفلة أبنائها”

 

آخر الأخبار
"الأمم المتحدة" : مليون  سوري عادوا لبلادهم منذ سقوط النظام البائد  "إسرائيل " تواصل مجازرها في غزة.. وتحذيرات من ضم الضفة   "فورين بوليسي": خطاب الرئيس الشرع كان استثنائياً بكل المقاييس  فوز ثمين لليون وبورتو في الدوري الأوروبي برشلونة يخطف فوزاً جديداً في الليغا سلة الأندية العربية.. خسارة قاسية لحمص الفداء  رقم قياسي.. (53) دولة سجّلت اسمها في لائحة الميداليات في مونديال القوى  مع اقتراب موسم قطاف الزيتون.. نصائح عملية لموسم ناجح "جامعة للطيران" في سوريا… الأفق يُفتح بتعاون تركي "التربية والتعليم" تعلن آلية جديدة لتغيير أسماء بعض المدارس مدارس حلب تستقبل طلابها بحلّة جديدة الشرع يلتقي ملك إسبانيا ورئيس الوزراء الهولندي في نيويورك "حقائب ولباس مدرسي".. مبادرة أهلية تخفّف أوجاع العام الدراسي تطوير البرامج الإنسانية والتنموية في حلب  أونماخت: مشاركة سوريا بالأمم المتحدة تفتح الباب لمرحلة جديدة  وزير الصحة يفتتح مركز معالجة الأورام السرطانية في درعا  تراجع إنتاج الزيتون في حماة بنسبة40 بالمئة بسبب الجفاف  هل حققت "مهرجانات العودة للمدرسة" الجدوى والهدف؟  الحوكمة في سوريا.. ركيزةٌ غائبةٌ لريادة الأعمال وفرصةٌ لمستقبل زاهر  إدلب تستعيد نبضها.. مبادرة "الوفاء لإدلب" تكتب فصلاً جديداً