الثورة – نور جوخدار:
مع بدء العد التنازلي للمهلة التي حددها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لنظيره الروسي حتى الثامن من آب الجاري للتوصل إلى اتفاق لإنهاء حرب أوكرانيا، تتصاعد حدة التوتر بين واشنطن وموسكو، وسط تهديدات متبادلة وتراشق لتصريحات نارية قد تنذر بأزمة نووية.
حتى اللحظة، لم ينجح ترامب في إنهاء الحرب الأوكرانية كما وعد منذ عودته إلى البيت الأبيض، غير أن إعلانه الأخير عن نشر غواصتين نوويتين قرب السواحل الروسية بعد تراشق التصريحات بينه وبين نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف، أعاد إلى الأذهان أجواء أزمة الصواريخ الكوبية في ستينيات القرن الماضي، فهل تنجح ضغوط ترامب في تليين موقف بوتين؟ أم أن العالم على أعتاب مواجهة مفتوحة؟.
المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف قال اليوم: إنه “من الواضح أن الغواصات الأميركية في مهمة قتالية بالفعل وهي عملية مستمرة”، وأضاف “الغواصات الأميركية تجري مناوباتها باستمرار بغض النظر عن تصريحات ترامب”، وفق ما أعلنه موقع روسيا اليوم.
وأكد بيسكوف “أن في الحرب النووية لا يمكن أن يكون هناك منتصر.. ولذلك هذا هو المبدأ الأساسي، على الأرجح، الذي ننطلق منه”.
وأعلن ترامب في منتصف تموز الماضي عن مهلة تمتد لخمسين يوماً لإنهاء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وإلا سيفرض عقوبات اقتصادية قاسية تشمل رسوماً جمركية بنسبة 100% على واردات بلاده من روسيا، وكذلك على مشتريات النفط منها.
وفي خضم التصعيد، قلص ترامب المهلة من 50 يوماً إلى 10 أو 12 يوماً فقط، حسبما صرح خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر.
بالمقابل، لم يتأخر الرد الروسي، إذ كتب الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف والذي يتولى حالياً منصب نائب رئيس مجلس الأمن القومي، ولا يزال صاحب تأثير مهم في روسيا عبر منصة “إكس”: “روسيا ليست إيران أو حتى إسرائيل”، مشيراً إلى أن التهديدات المتكررة من قبل واشنطن تمثل خطوات نحو الحرب، “ليس مع أوكرانيا فقط، بل مع روسيا نفسها”.
ورد ترامب بخطاب شديد اللهجة، اعتبر فيه أن ميدفيديف “دخل منطقة خطرة جداً”، داعياً إياه إلى “ضبط تصريحاته”، مؤكداً في الوقت ذاته عدم وجود أي علاقات حالياً بين بلاده وروسيا، وحرص واشنطن على “الإبقاء على القطيعة” حسب موقع روسيا اليوم.
لكن ميدفيديف عاد وسخر من تصريحات ترامب، معتبراً أن تعليق ترامب الغاضب يؤكد أن روسيا على حق وأنها تسير على الطريق الصحيح، وطلب من الرئيس الأميركي أن يتذكر أن موسكو تمتلك قدرات نووية تعود للحقبة السوفييتية والتي تعتبرها كملاذ أخير.
ليعود ترامب ويرد على تهديدات ميدفيديف، بالقول في منشور له على منصة تروث سوشيال: “أمرت بنشر غواصتين نوويتين في المناطق المناسبة تحسباً لأن تكون هذه التصريحات الحمقاء والتحريضية أكثر من مجرد تصريحات”، ولم يحدد ترامب نوع الغواصات، أو موقع تمركزها، كما أن البنتاغون عادة ما يتكتم على تحركات الغواصات، أو أماكن تواجدها.
وتمتلك البحرية الأميركية بحسب شبكة “سي إن إن” ثلاثة أنواع من الغواصات، منها 14 غواصة من طراز “أوهايو” الباليستية، قادرة على إطلاق 20 صاروخاً باليستياً من طراز “ترايدنت” المزود برؤوس نووية، يصل مداها إلى 7400 كيلومتر، ولا تحتاج هذه الغواصات إلى الاقتراب من الشواطئ الروسية لتنفيذ أي هجوم، ما يعزز من قدرتها الردعية.
صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية اعتبرت أن التغيير في لهجة ترامب يتزامن مع انفراجة في الاتفاق التجاري مع الاتحاد الأوروبي، مما يعكس قناعته بأن الرسوم الجمركية تمثل “سلاحاً فعّالاً لتحقيق الأهداف”.
بينما اعتبر الباحث في معهد موسكو للعلاقات الدولية نيكولاي سيلايف أن تهديدات ترامب “أداة ضغط سياسية” أكثر منها نية حقيقية للتصعيد، مشيراً إلى أن ترامب لم يعرب عن دعم مباشر لمشروع العقوبات المطروح في الكونغرس، بل يفضل استخدام المراسيم الرئاسية.
وأضاف سيلايف أن ترامب “من جهة لا يريد العودة إلى المواجهة مع روسيا على غرار عهد بايدن، ولكنه لا يتمنى من جهة أخرى هزيمة أوكرانيا أو القبول بالشروط الروسية لوقف إطلاق النار، لأن ذلك قد يُفسّر على أنه هزيمة للولايات المتحدة وهزيمة له شخصياً، ويردد ترامب في كل مرة أن هذه حرب بايدن، ولكن مع مرور الزمن تصبح حربه هو أيضاً”.
من جهته قال رئيس تحرير مجلة “روسيا في السياسة العالمية” فيودور لوكيانوف، إن ترامب يتبنى خطاب “السلام مقابل الصفقات”، وليس بدافع السلام بحد ذاته، مستشهداً بتاريخه كرئيس لم يبدأ أي حرب خلال ولايته الأولى.
ورغم أن وجود الغواصات النووية الأميركية في الأطلسي والهادئ ليس جديداً، إلا أن الإعلان عنه بهذا الشكل يعد سابقة في السياسة الأميركية، ما يطرح تساؤلات حول نية التصعيد الفعلي وسط استمرار العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وغياب أي مؤشرات لحل سياسي قريب مما يزيد القلق من انزلاق العالم إلى مواجهة نووية، أو عسكرية مباشرة بين القوتين، ليبقى السؤال مفتوحاً: هل العالم على أعتاب هاوية جديدة، أم أن ما يجري نوع من سياسة الضغط والترهيب التي يعتمدها ترامب؟.