سوف تبقى حالة الصراع القائمة من خلال موجة الاعتداء الإرهابي الغربي الصهيوني خزاناً لا ينضب ليس لإنجاز المواقف الكبرى التي اضطلع بمهامها الأداء الوطني السوري فحسب، وإنما في إطار الدروس والعبر الحيوية وفي إطار الفكر العسكري والمواقف الوطنية الإنسانية.
ومن هنا تأتي أهمية الأداء الوطني السوري الذي تحول إلى مصدر ومعيار في آن واحد لإنتاج الأفكار الكبرى والقوانين الأساسية المؤثرة في مجريات الصراع ومساراته مع الإرهاب وداعميه وهذه قيمة بل قيمة كبرى أنجزها الوطن السوري عسكرياً وسياسياً واجتماعياً، وما زال يهديها بصفاء وتواضع لكل شعوب الأرض ولكل المواقف العالمية صديقها وعدوها، وبالمستويين النظري والتطبيقي، وفي عمق ذلك تفرض ثلاثية المشروعية والإرادة والتطبيقات حضورها الكامل القاسي والمشرف في سياق واحد ولا سيما أن هذه الثلاثية لا تزال خصبة وغنية في بناء الصيغ العامة للمواجهات مع قوى العدوان.
وأما المشروعية فهي القاعدة الكبرى والتي تشتمل على الحق الوطني والتاريخي وتؤكد عمق القيم والمناقب المتصلة عضوياً بمستويات الصراع الحاسم مباشرة إذ المشروعية هي السيادة والكرامة والمصير وتاريخ الوطن السوري على امتداد القرون والأحقاب يقوم على هذه الأعمدة ولا سيما عبر الإحاطة العميقة بمحورين متكاملين، الأول منهما هو هذا الانتماء وهذا التفاعل الحي الإيماني والعملي الذي يتطور باستمرار للوصول إلى عمق الشهادة والتضحيات الكبرى التي صارت المثل الأعلى في كل أنحاء العالم كما يقدمه الوطن السوري، وفي الاتجاه الثاني تنبعث باستمرار هذه القيمة الإنسانية العليا التي تؤكد أن سورية تدفع العدوان وكل تضحياتها في سبيل السلام المشرف وتقديم الغالي والنفيس لإنجاز وحراسة الحدود العليا للحرية لسورية ولكل شعوب الدنيا، وهاجس السلام هو قاعدة استراتيجية عندنا وهو مؤشر قوة وينتمي إلى نسق الحضارة والقيم المؤسسة في الوطن السوري.
إننا هنا نقاتل بشرف ونفاوض بشرف ولا نغلق على أي مبادرة من الخارج ما دامت تحمل هوية السلام وما دامت تصب في نهاية الأمر في تدمير العدوان واستعادة السيادة وتحقيق الهدف الوطني الإنساني الكبير، وفي عمق هذه المعادلة الصعبة بالتأكيد يتعرف العالم كله على مناهج وأساليب ومناقب الأداء الوطني السوري حيث لا مساومة ولا مهادنة مع المعتدين حيث لا يوجد تشفٍ أو غلو في إنجاز النصر النهائي.
إنها النزعة الإنسانية السورية المتوارثة تاريخياً والتي تؤكد بأن الوطن السوري ليس من هواة القتل والتدمير وإنما هو مؤهل عند كل المفاصل الصعبة أن يدفع القتل والتدمير عن نفسه وأن يؤمن نسبة كريمة من توفير مناخات الحرية والسلام لسورية وللعالم وهذه خاصية وطنية سورية لا يعرف حقائقها ولا يلبي حاجاتها أولئك الذين امتهنوا العدوان والإرهاب والتآمر وإطلاق المشاريع الاستعمارية، إن كل هذه النقاط هي مستقرة في فقرة المشروعية التي يؤمن بها الوطن السوري، ولا سيما عبر التلازم العضوي مع قاعدة الإرادة، إذ المسألة هنا ليست مجرد ادعاءات معنوية بل هي مؤسسات وجذور إيمانية سرعان ما نجد طريقها ونموها المضطرد في اللحظات الصعبة والمعارك الكبرى، إن الإرادة الوطنية السورية هي التي تبني جسر العبور من القيم العليا إلى التطبيقات اللوجستية عسكرياً وسياسياً، وهذه المتلازمة ما بين المشروعية والإرادة هي اختصاص سوري على مستوى التاريخ والعالم وهي التي حفظت لهذا الوطن وجوده وخط سيره والبقاء الناصع في التداول العنيف والسامي في سياق واحد، ولا سيما أن شرط الإرادة كما تقدمه سورية العربية هو خاصية فردية وجماعية وعسكرية وتربوية.
وهذا الشرط ينمو ويتعمق باستمرار إلى أن يتحول كما هو واضح إلى مناقب تحرك العقل والوجدان والساعد وأنماط السلوك، ثم يأتي هذا المدى لاستثمار المشروعية والإرادة في منحى اكتساب الخبرة واعتماد المنهج التراكمي في إنتاج هذه الخبرة، وكل خطوة في أعماق الصراع والمواجهات كما تعيشها سورية هي نتيجة لوعي واستقرار سابق وهي في ذات اللحظة مقدمه كبرى لبناء حالة من الوعي والالتزام في المسار اللاحق، وهذه الخبرة هي إنتاج وطني سوري يخضع لمعايير النمو واستنساخ كل المدارات والمسارات التي تنقل التضحيات الكبرى إلى الانتصارات الكبرى كما أن لهذه الخبرة تأثير شامل يتخطى حدود العمل العسكري في الميدان وإن كان هذا العمل هو العمود الفقري لمفهوم الخبرة والمسألة هنا وعلى قاعدة الخبرة هي تحول مستمر نحو الأقوى والأصفى بحثاً عن السلام.
د. أحمد الحاج علي
التاريخ: الاثنين 26-8-2019
الرقم: 17056