الملحق الثقافي:
استجوب سقراط تلامذته بتوجيه الأسئلة إليهم، وأصر بأنه حقاً لا يعرف أي شيء، لكن مهاراته في الاستجواب سمحت للآخرين بالتعلّم من خلال الفهم المتولد ذاتياً. أفلاطون (428-348 قبل الميلاد) كان تلميذاً لسقراط، وهو الذي كتب الحوارات التي شغلت المفكرين لأكثر من ألفي سنة. أطلق أفلاطون على هذه العملية الديالكتيك. الاستعمال الحالي للديالكتيك ليس كما كان شائعاً لدى سقراط. حالياً يشير الديالكتيك إلى حوار بين شخصين أو أكثر لهم آراء مختلفة ويرغبون بالوصول إلى الحقيقة من خلال الاتفاق في الرأي. أما سقراط فقد استعمل الديالكتيك بطريقة مختلفة لأنه اعتقد أن المعرفة لدى الإنسان فطرية تأتي معه منذ الولادة، ولذا فمن الممكن إطلاقها بوسائل الاستجواب الذكي.
من حوار غيرجس لأفلاطون يمكننا استنتاج عدد من القواعد للديالكتيك السقراطي التي تتمثل بالتالي:
1- يجب أن تكون الأجوبة قصيرة. عندما يوجّه سقراط سؤالاً إلى غيرجس يجيب الأخير بكلام طويل، لذا يطلب منه سقراط أن يجعل أجوبته قصيرة.
2- كلا المتحاورين يجب أن تتوفر لديهما الرغبة بفهم موضوع النقاش، بهذه الطريقة هما سوف يطوران النقاش ويدفعانه إلى الأمام.
3- كلا طرفي الحوار يجب أن يدركا بأن الطرف الذي يطرح الأسئلة إنما يتحدث لمصلحة المشاهدين أو المستمعين الذين ربما الكثير منهم يخجل من الحديث. باختصار، المستجوب لا يهتم فقط بمصلحته الشخصية وإنما بمصلحة الناس عموماً.
4- كلا المتحاورين يجب أن تتوفر لديهما النية الحسنة والثبات. إذا اختلف المتحاوران في هذا، يجب إنهاء النقاش. وإذا وقع الجواب في حالة من التناقض وهي كلمة يونانية تعني «لا مجال للخروج»، فلا يجب أن يصبح المجيب غاضباً. الوقوع في تناقض ليس عاراً، إذا كانت أجوبة المخاطب صائبة، فهي في الحقيقة نعمة، لأنه أصبح الآن يدرك أن ما كان يعتقد به غير صائب. يقول سقراط من المؤكد أن لا أحد يريد أن يكون مخطئاً.
5- كل محاور يسعى ليجعل المحاور الآخر شاهداً على ما يقول، شاهداً على حقيقة ما قيل، لأنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، فسوف لن يُنجز أي شيء.
6- عندما يتم التوصل إلى اتفاق، سيكون المتحاوران في صداقة. الحقيقة لها القوة في توحيد الناس ضمن صداقة، لكن الخطأ والأكاذيب لن تحقق ذلك.
7- يجب أن يكون الحوار بين شخصين فقط. الممارس للحوار يجب أن يتحدث مع شخص واحد فقط.
8- التناقض يضمن أن ما قيل ليس حقيقياً، إذا كان هناك خيار بين ما هو متناقض وما هو غير متناقض، فإن ما هو غير متناقض يجب أن يكون صادقاً مهما كان سخيفاً.
9- هناك ثلاثة شروط مسبقة للشخصية الفكرية للانخراط في الحوار: (ا) المعرفة: كل مشارك يجب أن يعرف شيئاً ما، أي يجب أن يميز حينما تكون الكلمات مطابقة للواقع، (ب) النية الحسنة، أي أن كل مشارك يجب أن يجادل لأجل الحقيقة وليس لأجل الانتصار، (ج) كل طرف يجب أن يتحدث بحرية، أي يقول ما هو في ذهنه وليس تردداً أو على شكل دفاع مراوغ.
10- كل مشارك يجب أن يكون مدركاً أن التكرار لا يبطل الحقيقة. لا يهم كم هي الحقيقة مألوفة للمشارك، لا يهم كم تبدو البديهية تافهة، هو يجب أن يعترف بصدقيتها، وألا يبحث عن شيء مختلف بسبب الرغبة في التجديد.
11- الصدق ضروري لدى كل محاور: كل طرف يجب أن يقول ما يؤمن به وإلاّ فإن العقد الضمني في المحادثة الديالكتيكية سينهار.
12- الانخراط في الحوار هو الخير الأعظم للحياة، لأن هذا هو انخراط في الفلسفة.
13- كل الناس ومن خلال هذا الحوار يجب أن يتنافسوا في السعي نحو الحقيقة، لأن الحقيقة تبرز فقط من خلال المنافسة الصادقة والمتواصلة، وأن الحقيقة هي الخير المشترك والعام للبشرية.
14- إذا كانت الحجة صادقة، يجب على المرء النظر بما يترتب عليها. بكلمة أخرى، الحوار يجب أن يستمر، لا يهم إلى أين يقود.
التاريخ: الثلاثاء3-9-2019
رقم العدد : 963