«أنا يا أخي أكتبُ أدباً عالميّاً، فقد تُرْجِمَتْ قصصي إلى اللغة الإنكليزيّة»، هذا ما قالهُ لي أحد زملائي منذ أيّام وكنا ما نزالُ نُلَمْلِمُ أفكارنا وأدواتِ عملنا ونحنُ نخرجُ من «الندوةِ الوطنية للترجمة» التي أقمناها مؤخراً في مكتبةِ الأسد الوطنيّة ابتسمتُ لهُ وتذكّرتُ على الفور ما كتَبَهُ الأديب الألماني غوتيه إلى صديقه إيكرمان عام 1827؛ وهو أوّل من استخدمَ هذا المصطلح: «لعلّي على قناعةٍ تامّة أن أدباً عالميّاً بدأ يتشكّل، وهذا ما تميلُ إليِهِ الشعوبُ جميعُها، وينبغي لنا أن نُسِهُمُ في ظهور هذا العصر».
ويعلَمُ العارفونَ بتاريخ الأدبِ أن دعوة غوتيه لم تأتِ من فراغ فقد كان كثيرٌ من الأدباء الأوربيين والفلاسفة قد بدؤوا يتحدّثونَ عن التجربة الإنسانيّة المشتركة وعن «التاريخ العالمي» ومنهم دانتي وشيلر وهيغل وأغنى الأدباء الرومانسيون هذهِ الفكرة ومهّدوا لظهور «الأدب العالمي» وعلى رأسهم (بايرون، وشيلي وكيتس وورد زورث) لكنَّ ما يعنيني هُنا ليسَ تاريخ ظهور هذا المصطلح بقدر ما يعنيني مفهومهُ الدقيق، مع أن من الصعب أن نجدَ لَهُ مفهوماً دقيقاً! فهل قَصَصُ زميلي التي تُرْجِمَ بعضُها حديثاً إلى الانكليزيّة تدخُلُ في باب الأدب العالمي؟
تُعرِّفُ «الويكيبيديا» الأدبَ العالمي كما يأتي: «لا يشيرُ مصطلَحُ الأدب العالمي إلى مجموعة الآداب الوطنيّة القوميّة في العالم، ويُقْصَدُ بهِ بشكلٍ خاص بلوغَ الآدابِ القوميّة المختلفة حضوراً عالميّاً بفضل تطوّر وسائل الطباعة والنشر والنقل، إذا أحدثَ ذلك تأثيراً في واقع الآداب وأخرجها من حدودها القوميّة الضيّقة باتجاه العالميّة، لتجتمع أرقى الأعمال من مختلف الآداب تحت مظلّة أدب عالمي واحد، إنّه الأدب الذي اجتاز الحدود بين الدول وتُرجِمَ إلى كثيرٍ من لغات العالم، وحققَ انتشاراً واسعاً وشهرةً كبيرةً بفضل ما يمتلك من خصائص فنيّة، تتمثَّلُ في تصويرهِ بيئته وتعبيره عن قضايا تهم الإنسان»..
والحقيقة أن هذا المصطلح في بداياتِهِ استخُدِمَ لوصف روائع الأدب الأوربّي الغربي… لكنّه مع الزمن خَرَجَ من إسار ذلك ليشمل نتاجَ الأمم الأخرى الشرقيّة والإفريقيّة وسواها..
لكن علينا أن نتساءَل هنا: هل يكفي الانتشار الواسع لأدبٍ ما في جعلِهِ أدباً عالميّاً..
هل نتاجُ أجاثا كريستي مثلاً أدبٌ عالمي.. بمعنى آخر: أليسَ العامل الحاسم في تحديد ذلك هو القيمة الفنيّة العالية للأدبِ وجمالياتِهِ الباهرة، ومدى تأثيره في تنمية الكائن البشري، وهل يؤدي دوراً حجمُ الأمِمِ وقوتُها السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة وعديدُ أفراد شعبها في جعل أدبها عالميّاً؟! وهل يبقى الأديبُ الذي يدخلُ العالميّة؛ أديباً عالمياً مدى العُمر أم إن ذلك يتعّلق بنصوصهِ التي يبدعها فيما بعد بحيث يمكنها أن تنزله عن عرشِ الأدب العالمي إن هبطت وسفّت وضعفت قيمَتُها الجمالية؟!
وفي الختام: هل في أدبنا العربي المعاصر أعمال يمكن أن تدخل رحاب «الأدب العالمي»، وكم عددها مثلاً ومن أصحابُها؟
هي أسئلة كثيرة جداً أثارها صَاحبي – سامَحَهُ الله – عندما عَدّ أدَبَهُ أدباً عالميّاً!
د. ثائر زين الدين
التاريخ: الأحد 20-10-2019
الرقم: 17102